الثلث المُقرّر في حكومة من شقين: نسبي وأكثري – حسن سعد







إن دقة التوازنات في التركيبة اللبنانية طوائفياً وسياسياً والتدخلات الخارجية من خلالهما، جعلت من (العجز سيد الأحكام في لبنان)، حيث فشلت – حتى تاريخه – كل محاولات التوصل إلى تشكيل حكومة "وحدة وطنية" تجمع بين المتناقضات في المنطق وعلى أرض الواقع السياسي، إضافة إلى ضرورة مراعاة مصالح الخارج التي لا مفر منها.

وبما أن الواقع اللبناني لا ينطبق عليه مفهوم المنطق الطبيعي ونظرياته، كان لا بد من إجتراح نظرية جديدة لتشكيل الحكومات تتناسب ودقة التوازنات اللبنانية، وتتوافق مع المنطق اللبناني (الفريد من نوعه).

نظرية (الثلث يَعُمّ الكلّ)

علمياً ومنطقياً، الجميع يتفق على صحة نظرية (الكلّ يَعُمّ الجزء)، ولكن المنطق الذي يحكم تركيبة لبنان لا يسمح بوجود – ولا يتوفر لديه – هذا (الكلّ) القادر على جمع أجزائه واحتضانها بعدالة وإطمئنان.

لذا، أطرح على المعنيين نظرية (الثلث يَعُمّ الكلّ) كأساس لتشكيل الحكومات وممارسة السلطة بالمشاركة غير الإستئثارية، إلى أن يأتي قانون انتخابي يصنع دولة لبنان القوية ويحترم شعبه العظيم، وسأشرح فيما يلي، كيف ولماذا؟

أولاً: كيف؟

عبر تحويل الثلث من كونه "ضامناً أو معطلاً" بيد الأقلية منفردة، إلى "ثلث مقرّر" من جميع الفرقاء، من خلال تشكيل حكومة وحدة وطنية "ثلاثينية" من شقين:

الشق الأول: (سياسي – مُقرّر) على أساس النسبية التي أفرزتها الانتخابات النيابية

10 وزراء، يمثلون الفرقاء السياسيين كافة من الأقلية والأكثرية معاً ورئيس الجمهورية، مع ضرورة ألا يستأثر أي فريق بتمثيل طائفة بكاملها من الطوائف الكبرى، ويشكلون معاً (الثلث المُقرّر بالشراكة الوطنية) في الحكومة، على الشكل التالي:

1 – الأكثرية تمثل نيابياً 55 في المائة، فيكون لها 5 وزراء من الوزراء العشرة في الثلث المُقرّر، (1 سني، 1 شيعي، 1 ماروني، 1 درزي، 1 روم كاثوليك) المجموع 5 وزراء.

2 – الأقلية تمثل نياباً 45 في المائة، فيكون لها 4 وزراء من الوزراء العشرة في الثلث المُقرّر، (1 سني، 1 شيعي، 1 ماروني، 1 روم أرثوذكس) المجموع 4 وزراء.

3 – يسمي رئيس الجمهورية الوزير العاشر في الثلث المُقرّر، بصفته الحكم التوافقي ومن موقع الضامن للطوائف غير الممثلة في الثلث المُقرّر (الأرمن الأرثوذكس، الأرمن الكاثوليك، الإنجليون والأقليات).

4 – يستمد (الثلث المُقرّر) شرعية صفته التقريرية عند إتخاذ القرارات المصيرية من التالي:

بعد التوافق الوطني، وفي أول إجتماع لحكومة الوحدة الوطنية – قبل أو بعد نيلها الثقة – يؤخذ قرار بالإجماع من الوزراء كافة (الثلاثين وزيراً) بتفويض الوزراء العشرة الذين يمثلون (الثلث المُقرّر) بصلاحية أخذ القرارات المصيرية المنصوص عنها في المادة 65 من الدستور، وبكل ما يستجد في الحياة السياسية ويستحق هذا التصنيف.

ولا أعتقد أن في الدستور ما يمنع هكذا تفويض، فقد سبق لمجلس النواب أن منح بعض الحكومات صلاحيات تشريعية، كما حصل، وما زال يحصل، بأن فوض رئيس الحكومة – في حال كان يحمل حقيبة وزارية إلى جانب رئاسته للحكومة – صلاحياته الوزارية إلى وزير دولة (للشؤون المالية مثلاً)، إضافة إلى قيام بعض الوزراء بتفويض المدراء العامين في وزراتهم ببعض من صلاحياتهم.

5 – تؤخذ القرارات المصيرية في (الثلث المُقرّر) بالتصويت فقط، على أساس 7 من 10، كما هو الحال عند إتخاذ القرار في المجلس الدستوري ومجلس القضاء الأعلى.

وبهذا تتجسد الوحدة الوطنية في مركز القرار، وعلى أساس النسبية التي أفرزتها الانتخابات النيابية، ويكون (الثلث المُقرّر) قد ضم الفرقاء كافة وكذلك الطوائف، مع تفويض شرعي بأخذ القرارات المصيرية، من دون قدرة أي من الفريقين على تجاوز الفريق الآخر عند اتخاذ أي قرار، حتى لو اتفق مع رئيس الجمهورية.

الشق الثاني: (تكنوقراط – مدني) على أساس منطق الأكثرية والأقلية في الحكم

20 وزيراً من الإختصاصين في المجالات التي تهم الشعب وتخدم مصالحه، يمثلون الفرقاء السياسيين كافة من الأقلية والأكثرية معاً ورئيس الجمهورية، مع أفضلية أن يكونوا من المجتمع المدني ومن خارج مجلس النواب – في تجربة قد تكون رائدة، قد تحث النواب على ممارسة مبدأي الرقابة والمحاسبة – مع ضرورة ألا يستأثر أي فريق بتمثيل طائفة بكاملها، ويشكلون معاً (الحكومة التي تُعنى بهموم وحاجات المواطن)، على الشكل التالي:

1 – الأكثرية هي الأكثرية، فيكون لها 11 وزراء من الوزراء العشرين (يتفق بشأنهم).

2 – الأقلية هي الأقلية، فيكون لها 6 وزراء من الوزراء العشرين (يتفق بشأنهم).

3 – رئيس الجمهورية، وبصفته التوافقية ودوره كحكم بين اللبنانيين كافة، يسمي 3 وزراء من الوزراء العشرين (يتفق بشأنهم).

وبهذا تقود البلد حكومة "وحدة وطنية" بمشاركة حقيقية ومن دون إستئثار، وتسير به على خطين (سياسي وشعبي) يلتقيان على هدف قيام دولة قوية ومحصنة بفعالية المشاركة من الفرقاء كافة، وبالأمان والاستقرار لشعبها، والتي قد تعمّر هكذا حكومة حتى نهاية العهد الحالي، إذا ما كانت الرغبة بالمشاركة، فقط هي السبب.

أما بخصوص الخارج الذي – إذا كان – يريد حصة في القرار اللبناني، فأعتقد – آسفاً – أنه سيجد جزءاً من غايته في هذه الصيغة الحكومية، فهي أهون الشرور، لهذه الناحية، على البلد وخاصة على أهله قبل أي شيء آخر.

ثانياً: لماذا؟

لأنه لا يحق للأقلية أن ترفض إستئثار الأكثرية بالسلطة من خلال مطالبتها بالإستئثار المضاد.

لأنه لا يمكن للأكثرية أن تتغاضى عن حقيقة التركيبة اللبنانية بالهروب إلى النظريات "المثالية" في الحكم الديمقراطي التي لا تراعي التوازنات الطوائفية والسياسية فيها، خاصة وأن الأقلية – وبالتنوع الطائفي لمقاعدها – تكاد توازيها نيابياً.

لأنه لا يجوز استغلال المصالح العادية للشعب كوسيلة ضغط للحصول على ضمان منه هنا أو لتعطيل قرار من هناك.

والأهم يجب أن يقوم البلد من كبوته وتنطلق عملية استعادة الثقة المفقودة من خلال المشاركة العادلة في صناعة الوحدة الوطنية.

على أمل أن تأخذ هذه النظرية حقها من الدرس، لعل فيها الخير للبنان وشعبه العظيم.