ولئلا "يُظلم" الثلث المعطل الذي يحمل في ذاته ما يكفي من عاهة بالولادة تجعله مولوداً خارج الرحم الدستوري، فإن مفهوم الحكومات تعرض للتشويه المنهجي منذ العهدين الاولين بعد الطائف حين تحول مجلس الوزراء من فريق عمل اجرائي واحد تجمعه سياسات عامة موحدة الى موئل لتقاسم السلطة بمعايير مفصلة آنذاك على قياس السلطة القابضة على لبنان، اي السلطة السورية، وراح مفهوم الحكومة الدستورية الحقة يذوي تدريجا وسط تصنيف هجين بين "قطاع امني" و"قطاع اقتصادي" واقطاعات اخرى مختلفة. كان ذلك التقسيم النذير الجوهري لضرب وحدة السلطة الاجرائية. ثم جاءت ازمات السنوات الاربع الماضية لتكرس بقوة قاهرة داخلية هذه المرة هذا الشواذ وإن بانماط مختلفة انتهت الى التماع نجم الثلث المعطل كعنوان لوضع مأزوم دستورياً وسياسياً.
وليس ادل على هذا المفهوم الذي يناقض تماما المفهوم الدستوري للحكومات من وضع العربة أمام الحصان، اي بدء عملية تشكيل الحكومات الثلاث الاخيرة، بما فيها الحكومة العتيدة الموعودة، بتقاسم السلطة فيما لا يسمع اللبنانيون كلمة واحدة عن معركة مشاريع مثلا قد تكون "مشرّفة" اكثر بكثير عن معركة عض الاصابع التي تجري في هدأة الاصطياف الحار والانتظار المتمهل الى ما لا يعرف له من حدود ومواقيت.
بعض الخبثاء ربما يسفّهون هذا المنطق ويصمونه بالسذاجة، باعتبار ان معركة تقاسم السلطة، على صعوبتها، تظل اسهل وأيسر ومن شأنها ان تؤدي في النهاية الى ولادة حكومية محققة حين تضاء الاضواء الاقليمية التي عادت تقبض من بُعد هذه المرة على ناصية الموانع الداخلية التي تحول دون هذه الولادة وتؤخرها. اما في حال نشوب معركة مشاريع، فان الامر سيتحول آنذاك فعلا ازمة نظام لان شيئا لا يمكنه في لبنان ان يجمع القوى السياسية حتى ازمات الانسان نفسه الذي لا يعرف تصنيفاً وفرزاً بين طائفة ومذهب ومنطقة باعتبار ان "الاتحاد الانساني" وحده هو جامع الازمات.
لكن كيف لحكومة ان تواجه ما يتربص بالانسان اللبناني حين تأتي بعد حين ولو طال، وهي مفصلة على قياس أثلاث او أنصاف او إقطاعات مفتقدة الحد الادنى من مواصفات فريق العمل الواحد؟ لا بل كيف لحكومة ان تحكم وتعالج الازمات وتجترح الحلول وتنقل لبنان من ضفة الى اخرى وهي تنوء تحت ثقل "أيديولوجيات" متصارعة حتى على مجموع ازمات اللبنانيين التي تعملقت وتراكمت بفضل هذا الترف المفرط في تسليط الانماط غير الدستورية على الدستور؟
لكانت العطلة السياسية مفيدة اكثر لو استحضرت فيها "البرامج الانتخابية" التي لم يجف حبرها بعد وتحولت معركة الانتظار مبارزة ببرامج واقعية تطبيقية تقول للبنانيين كيف يمكن انقاذهم من الانقسام العائد بقوة مخيفة على القرار 1701 مثلما يتصاعد العجز المخيف عن حل ازمة الكهرباء ومثلها كارثة اختناقات السير والمقتلة اليومية التي تقصف اعمار اللبنانيين اعصابا ووقتا واستهلاكا وحياة على طرق لبنان وشرايينه في هذه الغابة المتفلتة من كل قيود القوانين. من الصغيرة الى الكبيرة، لا مكان للبنانيين في هذا الترف البعيد عنهم في لعبة تقاسم السلطة، لأن الحكومة عندهم اضحت امراً آخر، وصارت رهينة "الرديف" ولم تعد "ابنة النظام". لذلك يصيّف اللبنانيون لاهين عن كل هذا الذي يجري في استحقاق يعني اصحابه فقط.