نطـق زكريـا – نصري الصايغ – السفير

من حق رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري أن يصمت. ومن حق الرئيس نبيه بري أن يسكت، إلا عن الكلام البرقي، ومن حق رئيس الجمهورية ميشال سليمان أن يسمع فقط، لأن تشكيل الحكومة، سرٌّ من أسرار الدولة، والتحدث عنه يشكل فضيحة.
إنها جمهورية الصمت، بقرار لم يتخذه أحد.
إنها دكتاتورية السكوت، بمنطق لم يبرره أحد.
فليس من حق اللبنانيين أن يعرفوا شيئاً، ويبدو أنهم راضون، ويطنّشون على ما يقوم به أولو الأمر فيهم. إذ، منذ سنوات، سلموا أمورهم، تسليماً كاملاً، لزعماء، بيدهم الحل والربط والتعقيد والتسهيل. وهم بذلك قانعون.
من حق وليد جنبلاط أن يدور من موقع إلى موقع، وأن يستكمل دورته السريعة الأخيرة، مع فائض من عبارات التبرير، لقدرته على الشم والرؤية والبوصلة التي لا تخطئ. ومن حق العماد عون أن يقول ما لا يقال، وأن يسكت على ما يقال. ولا أحد يسأل، كما من حق السيد حسن نصر الله أن يقول: «السلاح يحمي السلاح»، فما معنى الثلث الضامن؟.
إنها جمهورية… بلا جمهور، وبقرار، لم يتخذه أحد.
إنها دكتاتورية التسليم بما تمليه أقدار الزعماء… الذين لا حول ولا قوة لهم، إلا بما هو متاح من المحيط العربي والإقليمي والدولي.
أما لماذا لم تتألف الحكومة بعد! فالجواب معروف لدى اللبنانيين، لا أحد منهم يجهل أيضاً ماذا يجري في الكواليس.
قبل التكليف وفصول التأليف «بالومى» (أو بالإشارة) كان الخطاب السياسي، ينشر فوق السطوح اللبنانية، ليصل إلى العواصم المعنية، لتبني على الشيء قضاءنا وقدرنا ومقتضانا. وكانت الحناجر اللبنانية تصدح فخورة بحداءي 14 و8 آذار. ثم… ساد صمت كصمت أهل الكهف.
إنها جمهورية لجمهور من المبعوثين والسفراء والمندوبين وحاملي الرسائل. إنها جمهورية بحاجة إلى حكومة جديدة، تباركها السعودية، وترضي دمشق، وتفرح باريس، وتشفع لها واشنطن، وتزكيها إيران، وتقبل بها مصر (ولو على مضض)، ولا تغضب إسرائيل (بالتأكيد)، لتكون، بعد ذلك، لبنانية مئة بالمئة.
لماذا لم يشهر بعض اللبنانيين صوتهم ليطالبوا زعماءهم بالكلام، إذ مع معرفتهم المسبقة بالشروط الداخلية والقيود الخارجية، فهم مع التيسير لا مع التعسير، ومصارحة المواطنين بخبايا معروفة، لا يعرقل مسيرة التأليف المظفرة…
لعل البعض، بسبب انتهاء موسم الصراخ الانتخابي، وبدء الموسم السياحي، قد نسي أننا بصدد تأليف حكومة، وأنه غير معني بها، وأن هذا ليس من شأنه. وان الأمور مرهونة بأوقاتها، والوقت اللبناني مفتوح للرئيس المكلف ولكل من يساعده أو من يعرقل له عمله.
قيل لنا بالفم الملآن: لم يفت الأوان بعد. وقيل: قبله تكلف السنيورة، من كيس الزمن، ما يقارب الخمسين يوماً، لتأليف الصك الحكومي. إذاً، فليعط الرئيس الجديد، ما شاء من الوقت.
إنها جمهورية، لا زمن لها. فقد عاش اللبنانيون لأكثر من عامين، بنصف حكومة، ولأكثر من شهور بلا رئيس جمهورية. ويستطيعون أن يعيشوا بلا حكومة جديدة… إلى أن ينطق زكريا. وزكريا نطق في الثمانين.
إنها جمهورية، تستطيع أن تستمر على قيد الحياة، بلا حكومة. وغداً، إذا ولدت الحكومة، فلن تكون إلا نسخة طبق الأصل عن جمهور بلا جمهورية