فما حصل في الجنوب من انفجار مخزن الذخيرة جنوب الليطاني، الى اصابة 14 جنديا من القوة الدولية في اشتباك مع "الاهالي" في خربة سلم، اعطى العدو الاسرائيلي فرصة وذريعة لاطلاق حملة واسعة على نطاق الامم المتحدة والدول المشاركة في "اليونيفيل" تهدف الى تحقيق مجموعة من النقاط اهمها:
– اولا: تصوير انفجار مستودع الذخيرة، على انه يشكل "انتهاكا خطيرا وفظا للقرار 1701" كما ورد في رسالة وجهتها تل ابيب الى الامين العام للامم المتحدة واطلعت الدول المشاركة في عديد "اليونيفيل" عليها، لان هذا الانفجار اكد ان اسلحة "حزب الله" ما زالت موجودة في منطقة عمليات القوة الدولية لا بل انها تضاعفت.
ورغم الخروق اليومية الجوية واحيانا البرية التي تقوم بها اسرائيل علانية، ضاربة عرض الحائط بالقرار 1701، فانها تثير الآن ضجة دولية حول الانفجار في خربة سلم، بهدف التعمية على انتهاكاتها المتكررة للقرار المذكور.
– ثانيا: محاولة لدس التناقض والايقاع بين الجيش اللبناني والقوة الدولية، عبر مزاعم تضمنتها الرسالة الاسرائيلية من ان قوات الجيش المنتشرة في منطقة الانفجار اعاقت تحرك عناصر "اليونيفيل" مما سمح لـ"حزب الله" باخفاء قرائن واثباتات ميدانية تؤكد مضيه في نشاطه التسلحي في المنطقة المحظورة بموجب القرار 1701.
ورغم ان محادثات كلاوديو غراتسيانو مع المسؤولين في بيروت ومع قائد الجيش في اليومين الماضيين، يمكن ان تدحض الكلام الاسرائيلي، فان الصورة التي يجري تعميمها الآن في الخارج تهدف الى تشويه واقع التعاون والتنسيق بين الجيش و"اليونيفيل"، وهو ما يستدعي تحركا لبنانيا خارجيا.
– ثالثا: مطالبة الامم المتحدة بتغيير قواعد الاشتباك لجهة مسوغات استعمال السلاح، بما يمكن ان يخلق جوا على حافة النار الدائمة بين "القوة الدولية" واي عناصر مسلحة جنوب الليطاني.
طبعا لبنان لن يوافق على اي تعديل في قواعد الاشتباك المنصوص عليها في القرار 1701، وكذلك عدد غير قليل من الدول المشاركة وفي مقدمها فرنسا التي ترى ان ليس هناك من مبررات لتغيير قواعد الاشتباك، ولكن اسرائيل تريد عبر اثارة هذا الموضوع دوليا، خلق مزيد من الاجواء التي ترى انها توفر لها اسبابا تخفيفية حيال انتهاكاتها المستمرة للقرار 1701.
– رابعا: وهو الاهم والاخطر، تصوير التصدي الذي قام به "الاهالي" للقوة الدولية وللجيش اللبناني ضمنا، لأن الاعتداء "وقع خلال نشاط منسق مع الجيش اللبناني"، على ما اعلنت "اليونيفيل" – تصوير هذا الامر على انه يؤكد مرة جديدة وعبر وقوع 14 جريحا من الدوليين، ان القوة الدولية في الجنوب تواجه بعدائية من بعض "الاهالي"، وخصوصا انه سبق لعناصر منها ان تعرضت للتصدي في خربة سلم لانها كانت تلتقط بعض الصور.
ان الضرب الاسرائيلي على وتر الحساسية بين الدوليين و"الاهالي"، انما يهدف الى خلق حال من الكراهية بين الطرفين بما قد يؤدي الى انتفاء الحماسة لدى الدول للمشاركة في "اليونيفيل"، وهو ما يعيد الامور الى ما كانت عليه قبل حرب تموز من عام 2006 التي توقفت مع القرار 1701.
❐ ❐ ❐
في سياق هذه التطورات الجنوبية تُطرح تساؤلات متناقضة: فهناك من يتخوف من ان تكون الاثارة الاسرائيلية لموضوع انفجار مخزن ذخيرة "حزب الله" على هذا النطاق الدولي، مبررا لاي عدوان يستهدف المناطق الجنوبية استباقا واحترازا لاي هجوم قد تشنه اسرائيل على المنشآت النووية الايرانية. وعليه يتساءل البعض: ما هي مصلحة لبنان والجنوب اللبناني في وقوع صدام بين "الاهالي" والدوليين، وخصوصا ان الحساسية ضد القرار الدولي 1701 موجودة وظاهرة منذ البداية تقريبا؟
وهناك في المقابل من يصل في التحليل الى درجة التساؤل عما اذا كان الحراك المتصاعد ضد "اليونيفيل" في الجنوب، يهدف الى تجاوز مفاعيل القرار 1701، بحيث يكون الجنوب منطلقا استباقيا واحترازيا لارباك اي عدوان اسرائيلي على ايران!
وسط كل هذا يبرز سؤال جوهري: كيف يواجه لبنان الحملة الاسرائيلية المغرضة عليه والتي تصوره معاديا للقوة الدولية، وخصوصا عندما تستمر مفاعيل الاصرار على "الثلث المعطل" وهي العقدة التي تعرقل المساعي الحثيثة التي يبذلها الرئيس المكلف سعد الحريري لتشكيل حكومة تضم الجميع وتكون قادرة على العمل، وخصوصا التحرك الآن لمواجهة الحملة الاسرائيلية المؤذية في الامم المتحدة وعلى نطاق دولي.