لذلك توقفت اوساط رسمية وسياسية وشعبية باهتمام عند قول الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله في كلمته التي القاها لمناسبة ذكرى تحرير الاسرى انه لم يطلب ضمانات لا حول سلاح المقاومة ولا في موضوع المحكمة لان موضوع السلاح يبحث على طاولة الحوار وموضوع المحكمة ينتظر نتائج التحقيق، وان ما ينبغي الاتفاق عليه هو كيفية مواجهة الدين العام الذي بلغ 40 او 50 او 60 مليار دولار وهذا يهم كل اللبنانيين، واذا كانت الحكومة ستزيد الضرائب او ان تبيع جزءا من ممتلكات الدولة، فهذا ايضا يهم كل اللبنانيين، وليس لمجموعة منهم ان تقرر وحدها ذلك، وان هذا لا يعني حزبا او فئة واحدة. وتساءل عن الخطة التي ستعالج المواضيع الاقتصادية والمالية والاجتماعية والمعيشية للناس وكيف، وان من يقولون بالعبور الى الدولة، ينبغي ان يكون هذا العبور من الجميع دولة وحكومة وشعبا.
ان دعوة السيد حسن نصرالله الى التفاهم على هذه المواضيع وغيرها تعني الوصول الى صيغة حقيقية تؤدي الى شراكة وتعاون وليس الى شراكة مناكفة وتعطيل، من اجل مواجهة التحديات والاخطار.
الواقع ان ما يطرحه الامين العام لـ"حزب الله" هو الذي يزيل الخلاف حول الحصص والحقائب. فاذا كان الخلاف حول سلاح المقاومة، فان هذا السلاح مطروح للبحث على طاولة الحوار الى ان يتحقق اتفاق على "الاستراتيجية الدفاعية"، واذا كان ثمة هواجس حول موضوع المحكمة ذات الطابع الدولي، فان مسار هذه المحكمة بات من مسؤولية مجلس الامن، ولا بد من انتظار نتائج التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه وصدور القرار الاتهامي كي يبنى على الشيء مقتضاه. عدا ان في الامكان احالة كل موضوع مثير للخلاف في مجلس الوزراء على هيئة الحوار الوطني. فعندما يصير اتفاق مسبق بين المطلوب مشاركتهم في الحكومة على المواضيع الاساسية التي ينبغي ان يتضمنها البيان الوزاري وما يتعلق منها بالسياسة الخارجية والسياسة الامنية والدفاعية والسياسة المالية والاقتصادية والضريبية وكيفية عودة العلاقات اللبنانية السورية الى طبيعتها، لا يعود عندئذ مبرر او خوف من وجود اكثرية وزارية مقررة، ولا من وجود اقلية معطلة ولا خلاف حتى على توزيع الحقائب المهمة، فعندما يصير اتفاق على سياسة لبنان الخارجية فلا يعود للوزير سوى تطبيق هذه السياسة وعندما يصير اتفاق على السياسة الاقتصادية والمالية والضريبية وعلى كيفية اطفاء الدين العام ومعالجة مشكلة الكهرباء فلا يعود للوزير او الوزراء سوى تطبيق هذه السياسة وكذلك الامر بالنسبة الى مشاريع الاصلاح الاداري والمالي توصلا الى تخفيف الاعباء عن الخزينة وترشيد الانفاق. وعندما يصبح مسار المحكمة ذات الطابع الدولي من مسؤولية مجلس الامن فلا تعود حقيبة وزارة العدل موضع تزاحم عليها، وعندما يصير اتفاق على وضع خطة امنية تمكن الدولة من بسط سلطتها وسيادتها على كل اراضيها وعلى خطة دفاعية فلا يعود عندئذ خلاف على من تسند اليه وزارة الداخلية ووزارة الدفاع، وعندما يصير اتفاق على ان قرار الحرب والسلم يتخذ في مجلس الوزراء فلا يعود عندئذ خوف من اتخاذ هذا القرار خارج المؤسسات الدستورية. ويصبح السلاح خارج الشرعية محكوما بقرار يصدر عن الشرعية.
والمهم في رأي الاوساط نفسها ليس مجرد التوصل الى اتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية لمواجهة التحديات والاستحقاقات انما الاتفاق على كيفية المحافظة على هذه الحكومة لانها اذا سقطت باستقالة رئيسها او باستقالة ثلث عدد اعضائها او بحجب الثقة عنها، فقد يصبح من الصعب ان لم يكن من المستحيل تشكيل حكومة اخرى بل تصبح البلاد معرضة لازمة وزارية مستعصية قد تؤدي الى ازمة حكم. فاستقالة الحكومة العادية او حكومة تتألف من اكثرية، ولاي سبب من الاسباب، تعالج بتشكيل حكومة اتحاد وطني، لكن باي حكومة بديلة تعالج اذا استقالت هذه الحكومة وتعذر جمع ممثلي الموالاة والمعارضة فيها مرة اخرى.
وترى الاوساط نفسها من جهة اخرى ان اعادة العلاقات اللبنانية – السورية الى طبيعتها، هي التي تعيد العلاقات اللبنانية – اللبنانية الى طبيعتها ايضا وتزيل الانقسامات التي وزعت اللبنانيين بين 8 و14 آذار. وعودة العلاقات اللبنانية – السورية الى طبيعتها تبدأ بالمساعدة على تنفيذ القرارات التي اتخذت بالاجماع في الحوار الوطني عام 2006 ومنها ازالة السلاح الفلسطيني خارج المخيمات وضبطه في داخلها، وترسيم الحدود ولاسيما في مزارع شبعا كي يصير في الامكان وضع هذه المزارع في عهدة الامم المتحدة تمهيدا لاعادتها الى لبنان، يضاف اليها موضوع اللبنانيين المفقودين او المعتقلين في السجون السورية، وضبط الحدود في البلدين لمنع كل نوع من انواع التهريب والتسلل ولاسيما السلاح والمخربين، عندها تكون سوريا قد غيرت سلوكها حيال لبنان كي يغير اللبنانيون الذين تعتبرهم خصومها سلوكهم حيالها، ولا تبقى زيارة دمشق مقتصرة على قيادات في 8 آذار بل تشمل عندئذ قيادات في 14 آذار وتفتح صفحة جديدة من العلاقات المميزة والممتازة بين جميع اللبنانيين على اختلاف اتجاهاتهم ومشاربهم ومذاهبهم، ولا تعود سوريا كما تفعل حتى الآن، تتعاطى مع فئة لبنانية دون اخرى أو تجعل فئة لبنانية تستقوي بها على فئة اخرى، بل تقف على مسافة واحدة من جميع الفئات، وتجعل العلاقة مع لبنان من دولة الى دولة كما تقضي الاصول، وكما هو حاصل مع كل دولة شقيقة او صديقة. فهل تغير سوريا سلوكها حيال لبنان فلا تميز بين لبناني وآخر، كي يغير اللبنانيون الذين تعتبرهم خصومها، سلوكهم حيالها؟