قال السيد نصرالله انه لا يريد ضمانات لسلاح حزبه ولا ضمانات حيال المحكمة الدولية، لكنه لم يعط اللبنانيين ضمانات حيال هذين الموضوعين: انهم يريدون ضماناً بأن لا يستخدم سلاح المقاومة لمقاومة اللبنانيين بدلاً من اسرائيل مثلما حصل في 7 أيار 2008، مثلما يريدون ضماناً بالا يتحول السيد نصرالله ضد المحكمة بحجة التسييس اذا مضت الى نتائج لا يشتهيها "حزب الله".
لم يقل الامين العام صراحة انه يتخلى عن مطلب "الثلث المعطّل" في الحكومة التي يعكف الرئيس سعد الحريري على تأليفها، لكنه لم يعط ضماناً بالا يجري تعطيل الحكومة سواء أكانت بثلث معطّل أم بدونه كما حصل في الحكومة الاولى التي جاءت بعد انتخابات 2005.
من البديهي ان الحكومة الجديدة، ككل حكومة ستأتي بعد حرب تموز 2006، ستؤكد التزامها القرار الدولي 1701 الذي وضع حداً لهذه الحرب وأحيا التزامات لبنان حيال اتفاق الهدنة وجعل منطقة جنوب الليطاني منطقة الشرعيتين اللبنانية والدولية. لم يقل نصرالله كلمة واحدة حيال التزامات لبنان التي ينص عليها القرار. لا بل انه تجاهل كلياً انفجار مخزن الذخيرة التابع لحزبه في خربة سلم بعمق جنوب الليطاني. فأين هو الضمان أن يحترم "حزب الله" عهود لبنان في القرار وهو يمارس على الارض ما يناقضها؟
جوهر قضية اللبنانيين مع حزب السيد نصرالله هو عدم تفرّده في قرار الحرب والسلم. لقد تفرّد مراراً حتى بلغ الذروة في حرب تموز 2006. ومن يراجع خفايا تلك المرحلة يكتشف ان نصرالله ضرب بعرض الحائط كل التحذيرات التي وصلت اليه من مغبة القيام بما يعطي اسرائيل ذريعة العدوان. فأين هو الضمان بالا يفعلها زعيم الحزب مجدداً؟
اللبنانيون تواقون بعد أعوام التعطيل التي تلت أعوام الوصاية ان تكون أمامهم حكومة تتحمل مسؤولياتها كاملة. هم يريدونها ان توفّر لهم مستلزمات العيش بعد أن تحقق لهم متطلبات الأمن والأمان. هل يتخيّل المرء أن تكون السنوات الاربع الآتية خالية من حل لقضية الكهرباء مثلاً؟ ان الامانة التي حمّلها اللبنانيون لـ14 آذار هي تحديداً هذه الاهداف. فهل هناك ضمان من السيد نصرالله بالا يعرقل هو وحزبه وحلفاؤه الوفاء بهذه الامانة؟
لائحة الضمانات المطلوبة من السيد طويلة، ومن أهمها ما يتصل بهذا الصمت الذي اعتراه حيال ما يجري في ايران. لم يقل شيئاً في هذا الاضطراب الخطير الذي تعانيه جمهورية ولاية الفقيه الذي يعتبر نصرالله نفسه جندياً في خدمته.
لقد عاش اللبنانيون تجارب عدة في تاريخهم الاستقلالي كان على الاحزاب أن تحسم خيارها اللبناني حيال انتماءاتها المذهبية والدينية والقومية والأممية حتى جاء اتفاق الطائف الذي حسم عروبة لبنان، وجاءت ثورة الأرز فحسمت خيار لبنان أولاً بشهادة أكثرية اللبنانيين في 2005 و2009. لم يقل نصرالله ما هو الضمان الذي يرسم حدوداً بين ولاء "حزب الله" للبنان وولائه لولاية الفقيه. حتى الامس القريب كان "حزب الله" يحاذر الاجابة عن سؤال: ماذا ستكون ردة فعلك اذا ما هاجمت اسرائيل ايران؟
جميل أن يسمع اللبنانيون نصرالله يقول: "والله نحنا نحب الحياة وثقافة الحياة". لاول وهلة يتخيل المرء أن السيد كانت له جلسة مطوّلة مع سمير فرنجيه وفارس سعيد وميشال معوض. الطريق الى هذه الثقافة معروف. وقد عرفه اللبنانيون بعد أثمان باهظة دفعوها منذ عقود. وهم اليوم يريدون من السيد ضماناً حقيقياً ألا تنقلب هذه الحياة جحيماً.