لبنان ينتمي هيكلياً الآن الى ديانتين لأن نظام المتصرفيّة هكذا شاء ولأن الاحتلال المصري هكذا شاء ولأن الفرنسيين ارتضوا ذلك في عهدهم وقَبِل ذلك منشئو الاستقلال في حين ان الدين لله كما قال المعلّم بطرس البستاني أي لا علاقة له عند المسيحيين بالسياسة وله علاقة بها عند المسلمين اذا كانوا وحدهم في الوطن واستحبوا في هذاالعصر نظاما شرعيا وعودة الى اعتبار أنفسهم خير أمة أُخرجت للناس واعتبار أهل الكتاب أهل ذمّة. لكن العثمانيين ألغوا في منتصف القرن التاسع عشر نظام أهل الذمّة الى الأبد والمسلمون في بلاد الشام استحبوا ذلك.
هذا هو الإطار الرسمي. اما نفحة القلوب فقد قرر اللبنانيون ان يستمدوها من ان الدين والدنيا واحد وبهذا المعنى أسلموا جميعاً، كما قرروا ان تجمعهم اللياقات ولطف الحديث، وبهذا المعنى صاروا حضارياً ينتمون الى سلوكية الموحدين الدروز. واذا فطنوا ان يلطفوا علاقاتهم يذكرون كثيراً لفظة محبة ومن هذا المنظار باتوا ثقافيا مسيحيين. أي انهم اتفقوا ضمناً على ان يكون إله ما ملهما لتصرّفهم المجتمعي وقد التقوا على ألا يذكروا خلافاتهم الدينيّة حتى يتغلّبوا على صراع الثقافات ويعيشوا في ظلّ ثقافة اجتماعية أقلّه لسانيا. لست أوحي انهم في العمق يدينون بالتقية والكتمان لكن التقية ساحرتهم لكي يجتمعوا على هذه الكومة العجيبة الغريبة التي تسمى لبنان.
ولكوني مسيحياً لا يقبلني أحد ان ألقي دروساً على كل المواطنين في تكوّن مجتمع واحد لا طائفي خصوصاً أني أنتمي الى كنيسة أقليّة لا بروز لها في هذا التجمّع المتراكم او المتلاصق والذي ليس تجمّعاً مدنياً على الطريقة الأوروبية التي لا دخل فيها للأديان في تنظيم الانتخابات والإدارة.
لن أتكلّم في هذا المجال الضيّق على العلمانية التي لا يقبلها أحد نظرياً ولا يقبلها واقعياً خوفاً على التصرفات الطائفيّة التي تخلط بين الدين والدنيا والتي تؤمن مصالح الجميع. سأخاطب اذًا في هذه العجالة المسيحيين المؤمنين الذي ليس عليهم لوثة من دنياهم لأكلمهم بكلمات دينهم وهم بين سمو عقيدتهم وروحانيّتهم وتقواهم من جهة، وهذا العيش الذي سمي مشتركا في الدستور وأدبيات الحرب الأهلية وهي أدبيات مرتكزة على هذا الدهر وليس على الدهر الآتي كما نقول في اللاهوت.
• • •
لإخوتي هؤلاء الممارسين منهم والكسالى أقول إنّ المسيحيين بلا مسيح كومة تراب فاذا قال كتابهم ان الايمان ينقل الجبال فمن باب أولى انه يذري التراب.
يجرحني المتسائلون عن بقاء المسيحيين في هذا البلد بعد ان تقلّص عددهم. لهؤلاء أقول: متى اهتمت المسيحيّة بالعدد مع علمي انه سيبقى عدد من المسيحيين مستنير ولكونه مستنيرا سيكون أكثر فاعليّة من كومة التراب. ماذا يفعلون بقول السيّد: "سأكون معكم حتى منتهى الدهر؟" بولس الرسول لما كتب رسالة دسمة الى أهل رومية كان الذين يعرفهم بولس في المدينة الأبدية ستة عشر انساناً وارتقب منهم انهم بقوة الإنجيل الذي فيهم سينتشرون في كلّ الامبراطوريّة الرومانيّة وفعلاً أخذوها في مطلع القرن الرابع. لكنهم احتلوها بلا سيف ولا سياسة في ذلك الزمان. ألم يقرأ أهلنا ما جاء في كتابهم ان المحبة تطرح الخوف الى خارج؟ انا واثق من ان عشرة آلاف مسيحي اذا كانوا من القديسين سيفرضون وجودهم بفاعليّة أعظم من المليون او المليون ونصف المليون القاطنين اليوم هذا البلد.
الكارثة هي هذه ان أحداً لا يعتقد ان الانجيل غير المتلبس ثوباً سياسياً أفضل من كل الركض السياسي الذي يقوم به مسيحيون كبار للحفاظ على أنفسهم والرعيّة. الى هذا ليس عند المسيحيين تفوق علمي أو مهني اليوم ولا ذلك الذكاء المفرط الذي يجعلهم الطليعة كما كانوا قبل خمسين أو ستين سنة من اليوم. لقد أخفقوا في اللعب السياسي لما كانوا أكثرية وقد يتسامون سياسيا أو يبرزون اذا قل عددهم وعظمت نوعيّتهم بما فيها الحياة الثقافية. وعندئذ لا يكونون في حاجة الى المبارزة السياسيّة.
وقد تجد أتقياء أو ممارسين يخافون لأنهم لا يؤمنون حقاً ان النقاوة التي تؤخذ من الإنجيل والعبادة هي لا استكبارهم التي تقيمهم في اللبنانية الفاعلة وذلك في وسط العالم العربي. عروبة غير لفظيّة تجعلهم ايضا في قلب المجتمع الإسلامي اللبناني وربما خارج الإسلام اللبناني. دائما ذهلت لإعجاب المثقفين المسلمين في ديار العرب بلبنان. أليس هذا لاعتقادهم أن لبنان فيه نكهة مسيحية تروقهم؟
• • •
واذا ذكرت الإسلام اللبناني الذي نلامسه على الأقل ونداخله في عيش نريده واحداً فهو إسلام واحد. واذا تلاعب المسيحيون ليلتصقوا بالسنّة أو بالشيعة أقول لهم بملء الفم انهم أغبياء. الخلاف بين السنّة والشيعة على الإمامة أمر يخص المسلمين وليس لنا في السجال الذي يدور بينهم منذ مأساة كربلاء علاقة.
نحن لسنا وسطاء بين المسلمين وهم لا يقبلون وساطتنا. وتكون ذروة الغباوة أن نظن ان حلفا حصريا بيننا وبين فريق من المسلمين يقوينا. المسلمون أمّة واحدة بالمعنى الديني يقول لها كتابها إنها أمة وسط وهي لا ترحب بإظهار أنفسنا أقرب الى التشيّع أو أقرب الى اهل السنة والجماعة. ويل للمسيحيين اذا لعبوا لعبة الإغراء بحلف الأقليات في هذا الشرق لأنهم، اذ ذاك، يرون أنفسهم وحلفاءهم الأقلويين مرميين في أحضان الصهيونية. ما من سبيل الى مكافحة اسرائيل مثل اتحادنا المجتمعي والفكري والروحي (نعم الروحي) بالمسلمين جميعاً باعتبارهم أمّة واحدة ولكن في حضن الوطنيّة اللبنانيّة.
لقد حذّر المغفور له الإمام مهدي شمس الدين في كتابه الوصايا أهل الشيعة من ان ينظروا سياسياً الى غير شيعة لبنان. السنّة قادرون بهذا المنطق الا يغازلوا سياسيا أهل مذهبهم خارج هذا الوطن. المسيحيون الذين غازلوا اسرائيل في الحرب قد يستفيق فيهم شيطان هذا الغزل اذا عزلوا أنفسهم عن الوحدة الوطنية مع المسلمين في وطن لا تسمح مساحته بتقسيمات إدارية داخل البلد على أساس طائفي. هذه محاولة تولَد سقطاً اذا ولدت. ممّ يأكل سكان الجبل اللبناني؟ هذا حل انتحاري يقضي على الفاعلية المسيحية ان أرادت ان توجد . الداعون الى هذا الحل قال لهم رئيسهم الروحي البابا يوحنا بولس الثاني في إرشاده الرسولي إنهم مدعوون الى ان يحيوا مع المسلمين في العالم الإسلامي الذي هو قائم ومنه لبنان.
هذا جزء من دور الرئيس الماروني في لبنان. كل رؤساء الجمهوريّة الذين عاصرت أي منذ الرئيس بشارة الخوري كانوا فعلاً وفي صدق كامل رؤساء للشعب اللبناني قاطبة. ربما اعتقد البعض حتى اليوم ان ثمّة ريادة مسيحيّة. على سبيل الافتراض أسلم بذلك. هذه ريادة الموارنة ان يكونوا في خدمة لبنان جامعا لكل طوائفه بلا امتياز لأحد.
عند ذاك، يؤمن الجميع بأن لبنان أعجوبة الله في الشرق.
هذا هو الإطار الرسمي. اما نفحة القلوب فقد قرر اللبنانيون ان يستمدوها من ان الدين والدنيا واحد وبهذا المعنى أسلموا جميعاً، كما قرروا ان تجمعهم اللياقات ولطف الحديث، وبهذا المعنى صاروا حضارياً ينتمون الى سلوكية الموحدين الدروز. واذا فطنوا ان يلطفوا علاقاتهم يذكرون كثيراً لفظة محبة ومن هذا المنظار باتوا ثقافيا مسيحيين. أي انهم اتفقوا ضمناً على ان يكون إله ما ملهما لتصرّفهم المجتمعي وقد التقوا على ألا يذكروا خلافاتهم الدينيّة حتى يتغلّبوا على صراع الثقافات ويعيشوا في ظلّ ثقافة اجتماعية أقلّه لسانيا. لست أوحي انهم في العمق يدينون بالتقية والكتمان لكن التقية ساحرتهم لكي يجتمعوا على هذه الكومة العجيبة الغريبة التي تسمى لبنان.
ولكوني مسيحياً لا يقبلني أحد ان ألقي دروساً على كل المواطنين في تكوّن مجتمع واحد لا طائفي خصوصاً أني أنتمي الى كنيسة أقليّة لا بروز لها في هذا التجمّع المتراكم او المتلاصق والذي ليس تجمّعاً مدنياً على الطريقة الأوروبية التي لا دخل فيها للأديان في تنظيم الانتخابات والإدارة.
لن أتكلّم في هذا المجال الضيّق على العلمانية التي لا يقبلها أحد نظرياً ولا يقبلها واقعياً خوفاً على التصرفات الطائفيّة التي تخلط بين الدين والدنيا والتي تؤمن مصالح الجميع. سأخاطب اذًا في هذه العجالة المسيحيين المؤمنين الذي ليس عليهم لوثة من دنياهم لأكلمهم بكلمات دينهم وهم بين سمو عقيدتهم وروحانيّتهم وتقواهم من جهة، وهذا العيش الذي سمي مشتركا في الدستور وأدبيات الحرب الأهلية وهي أدبيات مرتكزة على هذا الدهر وليس على الدهر الآتي كما نقول في اللاهوت.
• • •
لإخوتي هؤلاء الممارسين منهم والكسالى أقول إنّ المسيحيين بلا مسيح كومة تراب فاذا قال كتابهم ان الايمان ينقل الجبال فمن باب أولى انه يذري التراب.
يجرحني المتسائلون عن بقاء المسيحيين في هذا البلد بعد ان تقلّص عددهم. لهؤلاء أقول: متى اهتمت المسيحيّة بالعدد مع علمي انه سيبقى عدد من المسيحيين مستنير ولكونه مستنيرا سيكون أكثر فاعليّة من كومة التراب. ماذا يفعلون بقول السيّد: "سأكون معكم حتى منتهى الدهر؟" بولس الرسول لما كتب رسالة دسمة الى أهل رومية كان الذين يعرفهم بولس في المدينة الأبدية ستة عشر انساناً وارتقب منهم انهم بقوة الإنجيل الذي فيهم سينتشرون في كلّ الامبراطوريّة الرومانيّة وفعلاً أخذوها في مطلع القرن الرابع. لكنهم احتلوها بلا سيف ولا سياسة في ذلك الزمان. ألم يقرأ أهلنا ما جاء في كتابهم ان المحبة تطرح الخوف الى خارج؟ انا واثق من ان عشرة آلاف مسيحي اذا كانوا من القديسين سيفرضون وجودهم بفاعليّة أعظم من المليون او المليون ونصف المليون القاطنين اليوم هذا البلد.
الكارثة هي هذه ان أحداً لا يعتقد ان الانجيل غير المتلبس ثوباً سياسياً أفضل من كل الركض السياسي الذي يقوم به مسيحيون كبار للحفاظ على أنفسهم والرعيّة. الى هذا ليس عند المسيحيين تفوق علمي أو مهني اليوم ولا ذلك الذكاء المفرط الذي يجعلهم الطليعة كما كانوا قبل خمسين أو ستين سنة من اليوم. لقد أخفقوا في اللعب السياسي لما كانوا أكثرية وقد يتسامون سياسيا أو يبرزون اذا قل عددهم وعظمت نوعيّتهم بما فيها الحياة الثقافية. وعندئذ لا يكونون في حاجة الى المبارزة السياسيّة.
وقد تجد أتقياء أو ممارسين يخافون لأنهم لا يؤمنون حقاً ان النقاوة التي تؤخذ من الإنجيل والعبادة هي لا استكبارهم التي تقيمهم في اللبنانية الفاعلة وذلك في وسط العالم العربي. عروبة غير لفظيّة تجعلهم ايضا في قلب المجتمع الإسلامي اللبناني وربما خارج الإسلام اللبناني. دائما ذهلت لإعجاب المثقفين المسلمين في ديار العرب بلبنان. أليس هذا لاعتقادهم أن لبنان فيه نكهة مسيحية تروقهم؟
• • •
واذا ذكرت الإسلام اللبناني الذي نلامسه على الأقل ونداخله في عيش نريده واحداً فهو إسلام واحد. واذا تلاعب المسيحيون ليلتصقوا بالسنّة أو بالشيعة أقول لهم بملء الفم انهم أغبياء. الخلاف بين السنّة والشيعة على الإمامة أمر يخص المسلمين وليس لنا في السجال الذي يدور بينهم منذ مأساة كربلاء علاقة.
نحن لسنا وسطاء بين المسلمين وهم لا يقبلون وساطتنا. وتكون ذروة الغباوة أن نظن ان حلفا حصريا بيننا وبين فريق من المسلمين يقوينا. المسلمون أمّة واحدة بالمعنى الديني يقول لها كتابها إنها أمة وسط وهي لا ترحب بإظهار أنفسنا أقرب الى التشيّع أو أقرب الى اهل السنة والجماعة. ويل للمسيحيين اذا لعبوا لعبة الإغراء بحلف الأقليات في هذا الشرق لأنهم، اذ ذاك، يرون أنفسهم وحلفاءهم الأقلويين مرميين في أحضان الصهيونية. ما من سبيل الى مكافحة اسرائيل مثل اتحادنا المجتمعي والفكري والروحي (نعم الروحي) بالمسلمين جميعاً باعتبارهم أمّة واحدة ولكن في حضن الوطنيّة اللبنانيّة.
لقد حذّر المغفور له الإمام مهدي شمس الدين في كتابه الوصايا أهل الشيعة من ان ينظروا سياسياً الى غير شيعة لبنان. السنّة قادرون بهذا المنطق الا يغازلوا سياسيا أهل مذهبهم خارج هذا الوطن. المسيحيون الذين غازلوا اسرائيل في الحرب قد يستفيق فيهم شيطان هذا الغزل اذا عزلوا أنفسهم عن الوحدة الوطنية مع المسلمين في وطن لا تسمح مساحته بتقسيمات إدارية داخل البلد على أساس طائفي. هذه محاولة تولَد سقطاً اذا ولدت. ممّ يأكل سكان الجبل اللبناني؟ هذا حل انتحاري يقضي على الفاعلية المسيحية ان أرادت ان توجد . الداعون الى هذا الحل قال لهم رئيسهم الروحي البابا يوحنا بولس الثاني في إرشاده الرسولي إنهم مدعوون الى ان يحيوا مع المسلمين في العالم الإسلامي الذي هو قائم ومنه لبنان.
هذا جزء من دور الرئيس الماروني في لبنان. كل رؤساء الجمهوريّة الذين عاصرت أي منذ الرئيس بشارة الخوري كانوا فعلاً وفي صدق كامل رؤساء للشعب اللبناني قاطبة. ربما اعتقد البعض حتى اليوم ان ثمّة ريادة مسيحيّة. على سبيل الافتراض أسلم بذلك. هذه ريادة الموارنة ان يكونوا في خدمة لبنان جامعا لكل طوائفه بلا امتياز لأحد.
عند ذاك، يؤمن الجميع بأن لبنان أعجوبة الله في الشرق.