سقفا الحريري والمعارضة المتناقضان يُطيلان عمر التأليف – نقولا ناصيف – الأخبار

يضع قريبون من الرئيس المكلف سعد الحريري تعاطيه، غير المستعجل، مع تأليف الحكومة في نطاقين: أحدهما حكومة وحدة وطنية جامعة أفرقاء النزاع على أن تعكس نتائج الانتخابات النيابية، والآخر رفض تكريس نصاب الثلث الزائد واحداً عرفاً في تأليف الحكومات مذ أورده اتفاق الدوحة وتحوّله حق نقض للطوائف. ويذهب الحريري إلى الاعتقاد بأن المبرّرات الاستثنائية التي أوجدت تسوية الدوحة زالت، وأخذت معها الإجراءات التي انبثقت من هذا الطابع الاستثنائي وأخصّها تجاهل نتائج الانتخابات في تأليف الحكومة، وفرض نصاب غير مألوف في الحياة الدستورية اللبنانية. ذلك أن تأليف حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة، تبعاً لاتفاق الدوحة، أخذ في الاعتبار التطورات التي تلت أحداث 7 أيار 2008 وأطفأ نزاعاً مذهبياً سنّياً ـــــ شيعياً في مقابل إهماله الواقع السياسي الذي كان سائداً منذ انتخابات 2005، وهو إمساك قوى 14 آذار بالغالبية النيابية. ولئلا تتحوّل حكومة 2008 قياساً دائماً، رسم الحريري ثلاثة خطوط متوازية: التخلي عن حكومة اللون الواحد من فريق الغالبية، تأييد انضمام المعارضة إلى الحكومة، وضع النصاب الدستوري في مجلس الوزراء في يد الرئيس ميشال سليمان لتعزيز موقعه في ضمان استقرار العمل الحكومي.

وإذ تلتقي الموالاة مع الحريري على دعم دور رئيس الجمهورية، ومنحه هامشاً أوسع للمشاركة في السلطة الإجرائية ما دام يستمد جزءاً أساسياً من هذا الدور من موقعه في النظام وصلاحياته الدستورية، تقارب العلاقة به استناداً إلى كونه إحدى الركائز الثلاث للمسيحية السياسية في الحكم، مع الرئيس ميشال عون في المعارضة ومسيحيي قوى 14 آذار.
على طرف نقيض، تنظر المعارضة إلى تأليف الحكومة انطلاقاً من خطوط رسمتها هي أيضاً لدورها، وأبرزها اثنان هما حجّتها لدحض الرأي الآخر:




أولهما أن قوى 14 آذار، بعد انقضاء أقل من شهر على فوزها في الانتخابات، فقدت الغالبية التي جاهرت بها بسبب تفرّقها من 71 نائباً في لوائح ائتلافاتها الانتخابية إلى 66 نائباً باتت تتألف منهم اليوم ويزيدون نائبين فقط عن نصاب الأكثرية المطلقة، بدءاً من ظهور الرئيس نجيب وميقاتي وحليفه النائب أحمد كرامي، والوزير محمد الصفدي وحليفه النائب قاسم عبد العزيز، والنائب ميشال المر، مظهر المستقلين عن اصطفافي 8 و14 آذار. إلا أن النائب وليد جنبلاط وجّه ضربة قاسية إلى الغالبية بسلسلة مواقف أطلقها أخيراً على نحو وضع مسافة شبه فاصلة بينه وبين شركائه الآخرين، آخذاً في الاعتبار خياري التحالف مع الرئيس المكلف وإنهاء العداء مع الفريق الشيعي، سرعان ما التقى الزعيمان الدرزي والسنّي على استعجال طيّ صفحة الماضي مع سوريا والدخول في حوار معها، وهو الملف الأكثر حساسية لاستفزاز مسيحيي الموالاة أحزاباً ومستقلين.

من غير أن يعلن خروجه من 14 آذار صراحة، ميّز جنبلاط موقعه الحالي في اللعبة السياسية الغامضة على نحو حمل الرئيس نبيه برّي على القول لزواره: «كنت واثقاً من الرهان على وليد جنبلاط». كذلك قوله إن جنبلاط بات «الثلث المعطل» في قوى 14 آذار. بل راح إلى حدّ القول ممازحاً: «يمكنه أن يعيرنا نائبين إذا احتجنا»، وهي إشارة دالة على انتقال جنبلاط من موقع أقام فيه ثلاث سنوات يترجّح بين العداء لسوريا والمعارضة وحزب الله والمجازفة بخيارات تقويض التوازن الداخلي والإقليمي، إلى آخر يعطّل تماماً الدوافع التي أنجبت قوى 14 آذار، وهي القرار 1559 واغتيال الرئيس رفيق الحريري الذي أصبح في عهدة المحكمة الدولية.
ثانيهما، أن المعارضة تعتقد أن التوازن السياسي القائم لا يعكس حقيقة ما أسفرت عنه نتائج الانتخابات، وهو أن ثمّة رابحاً وخاسراً، إلا في نطاق ضيّق لتفسير مغزى الغالبية، وهو وجود أكثرية في مجلس النواب. في حين أن تكوين السلطة الإجرائية يخضع لمقياس آخر أقرب إلى تحالفات سياسية تتقاطع مع مصالح محلية وإقليمية لا تعوّل بالضرورة على التمثيل الشعبي، ولا تأخذ في الحسبان أكثرية وأقلية.

يقود ذلك أفرقاء في المعارضة إلى القول إن أي توزيع للحصص الوزارية في حكومة الوحدة الوطنية، ينبغي أن يأخذ في الاعتبار المغزى الفعلي لتقاسم المقاعد بحسب ما أورده اتفاق الدوحة بمعزل عن الأرقام. وهو أن لا يؤدي تكامل حصة رئيس الجمهورية مع حصة الموالاة إلى حصول الأخيرة على ثلثي الحكومة. والمقصود بذلك جعل وزراء الرئيس غير مكمّلين لوزراء الغالبية إذا رجحت وجهة نظرها في مجلس الوزراء على موقف المعارضة. بل يبدو من فلسفة تقسيم اتفاق الدوحة المقاعد الوزراية بين 16 وزيراً للموالاة، و11 وزيراً للمعارضة، وثلاثة وزراء لرئيس الجمهورية، أن ذلك جعل مجلس الوزراء موزّعاً بين فريقين اثنين هما 8 و14 آذار، فيما ترمي حصة الرئيس بوزرائه الثلاثة إلى تجريد الأكثرية ممّا حصلت عليه في الحكومة الأولى للسنيورة، وهو ثلثا مقاعد الحكومة.
وهكذا لا يرجّح الرئيس كفة الموالاة، بينما تستطيع المعارضة استخدام سلاحها وهو الثلث الزائد واحداً، الأمر الذي يرفضه رئيس الجمهورية، متمسكاً بعدم إعطاء أي من الفريقين نصاب التقرير أو التعطيل، وساعياً إلى أن تكون حصته هي الضامن الحسابي في تقسيم المقاعد، وموقعه الضامن السياسي الذي يجعله لا يطرح أياً من البنود التي تنص عليها المادة 65 على مجلس الوزراء قبل توفير أوسع توافق حوله