بعد التعثّر وحتى التراجع القائم على مستوى التواصل السوري ـــــ السعودي بشأن لبنان وملفات أخرى، فإن جهات في فريق 14 آذار تنفّست الصعداء، لأنها ترى أن أمر تأليف الحكومة إذا حُصر في لبنان، فإن المعارضة لن تكون قادرة على فرض شروطها، وخصوصاً أن أصحاب هذه الوجهة كانوا وما زالوا يعتقدون أن حصول توافق أو اتفاق سعودي ـــــ سوري سيمنح المعارضة مواقع إضافية.
على أن المفاوضات التي بدأت بين الرئيس المكلّف وبعض قوى المعارضة بشأن الحكومة، ستظهر بوضوح هذا الأمر، وإن كان هناك من سيخرج ليقول إن الأمر ليس مرتبطاً باستقلالية المعارضة بل بفشل الاتصالات السعودية ـــــ السورية. وتالياً، فإن تمسّك المعارضة بمطلبها الوحيد والتقليدي المتعلّق بالثلث الضامن سيقرأه هؤلاء باعتباره إشارة تصعيد سورية.
ومع ذلك، فإن الوحيد الذي يجد نفسه الآن متروكاً هو الرئيس المكلّف سعد الحريري، الذي يحتاج إلى جرعات من الدعم، لأنه عندما قرر تحمّل هذه المسؤولية حصل على ضمانات سعودية ـــــ أميركية ـــــ فرنسية بأن يصار إلى ممارسة الضغط الكافي على سوريا وقوى المعارضة في لبنان لتسهيل مهمته. وتالياً، فإن الحريري خسر بخروج الوسيط السعودي من المشهد داعماً كبيراً كان سيحلّ له الكثير من المشاكل، وليس أمامه الآن سوى تقليع شوكه بيديه. لذا، يُظهر الحريري أمام زواره تماسكاً من النوع الذي يخفي خشية من انهيار التجربة قبل أن تنطلق، وهو عبّر عن امتعاضه من نشر الزميلة «السفير»، أمس، كلاماً ينسب إليه أنه سيقدم على الاعتذار عن تأليف الحكومة إذا وضعت أمامه عراقيل، ومن هذه العراقيل مطلب الثلث الضامن.
وقد حرص الحريري أمام زوّاره على نفي أي نيّة لديه بالاعتكاف أو الاعتذار عن تأليف الحكومة إذا لم يتوصل إلى نتائج سريعة على صعيد التأليف. وأبلغ زوّاره أيضاً أنه عندما قرّر تولّي هذه المهمّة، كان يعرف صعوبة الأمر، وخصوصاً أنه لا يريد ترؤّس حكومة من لون واحد، بل يريد حكومة وحدة وطنية، وهو مستعد لمناقشة كل الصيغ الخاصة بالتشكيلة الحكومية، شرط أن يؤدي ذلك إلى منع الانقسام في البلاد.
وإذا كان موقف الحريري هذا يرتبط أولاً بسعيه إلى تأكيد أن أمر الحكومة يبتّ في بيروت لا في الخارج، فإن عدم وجود أفكار عملية تلامس جوهر المشكلة يبقي النقاش في إطار المجاملات المفيدة لتوليد مناخ إيجابي وتحقيق التواصل وعدم العودة إلى أجواء القطيعة التي كانت قائمة سابقاً. لذا، لا يطرح الحريري أي صيغة معينة، لكنّه يشير إلى أنه اقترب من إعداد مسوّدة تشكيلة حكومية سيعرضها على الجهات المعنية، من رئيس الجمهورية ميشال سليمان إلى فريقي الموالاة والمعارضة.
المهم في هذه الصيغة ليس الكلام الجميل وحسب، بل عدم إشارة الحريري إلى رفض واضح أو صريح لمطلب المعارضة بالثلث الضامن، بل هو يقول إنه منفتح على كل الصيغ والمقترحات. وهذا كلام سيضطر المستمعون إليه إلى أخذه على محمل الجد.. لكنّ ذلك لا يخفي أن محاولة تجميل الأداء اللبناني في الملف الحكومي لن تغيّر في بشاعة الصورة التي تؤكد مرة بعد أخرى أن غالبية الطبقة السياسية مرتهنة للخارج.