المواطنية الكاملة هي الهدف وليس تعزيز الرئاسة – سركيس نعوم – النهار

التيارات والاحزاب والهيئات والشخصيات السياسية وغير السياسية المسيحية تطالب كلها، على تناقضها والعداوات، بتعزيز صلاحيات رئاسة الجمهورية التي يشغلها منذ اكثر من سنة بقليل العماد ميشال سليمان. بعضها جدّي في مطالبته لأنه يعتبر ان الطريقة التي وزّعت بها الصلاحيات على الرئاسات الثلاث في البلاد كانت على حساب رئاسة الجمهورية وشاغلها المسيحي الماروني وفي مصلحة رئاستي مجلس النواب والوزراء وشاغليهما الشيعي والسنّي، ولأنه يعتبر ايضاً ان "التوزيعة" المذكورة جعلت النظام اللبناني بلا رأس، اي بلا مرجع. ولم تكتف بذلك بل جعلته بثلاثة رؤوس، اي مخلوقاً غير طبيعي مصاباً بتشوّه وغير قادر على تأمين الانسجام في عمل المؤسسات الدستورية وتالياً تأمين التوازن الطائفي – المذهبي – السياسي والوطني في البلاد. وهو جدّي ايضاً في مطالبته لأنه لا يصر على تعزيز الصلاحيات الرئاسية فوراً، بل يطلب استكمال تطبيق اتفاق الطائف اولاً ومعه البحث في ادخال تعديلات لا تعيد النظام اللبناني رئاسياً – وهو في اي حال لم يدم كثيراً – ولكنها تمكّن المتربع على سدة رئاسة الجمهورية  من ممارسة دور الحَكَم الذي ناطه به الدستور "الطائفي" (من الطائف) بنجاح وتساعد على ارساء التوازن بين المؤسسات، وكذلك الانسجام في عملها.

اما البعض الآخر منها، فلا يبدو جدياً في مطالبته بتعزيز صلاحيات الرئاسة الاولى، ذلك انه يرفعها ليس في وجه الشركاء المسلمين داعياً اياهم الى التجاوب معها، بل في وجه المسيحيين الآخرين الذين يريدون تعزيز الرئاسة ولكنهم يقفون ضده في السياسة سواء الداخلية او الاقليمية اقتناعاً منهم بأن الخط السياسي الذي يسير فيه سيؤدي لا محال عاجلاً أو آجلاً الى تقليص دور المسيحيين في البلاد بل ربما الى ضرب دورهم التاريخي فيه وتالياً تحويلهم  انصاف مواطنين او مواطنين غير مكتملي المواطنية. وكان احرى به ان يوجه هذه المطالبة الى حلفائه المسلمين، وان يقنعهم بها وبأهميتها للبنان العيش المشترك والتوازن. وكذلك كان احرى به وبالأفرقاء المسيحيين الذين يناصبونه العداء التفاهم على الحد العملي من تعزيز صلاحيات الرئاسة الاولى ومبادرة كل منهم الى إقناع حليفه المسلم بذلك ومن ثم التفاهم على طريقة تنفيذ هذا التعزيز بإجماع وطني.




لماذا اثارة هذا الموضوع الآن؟
ليس لأن تعزيز صلاحيات رئاسة الجمهورية مطروح جدياً في "البازار" السياسي – الطائفي – المذهبي القائم في البلاد. فهو مطروح من الأفرقاء المسيحيين المتصارعين من أجل مزايدة بعضهم على بعض وتثبيت كل منهم زعامته المسيحية او زيادة حجمها. اما عند الأفرقاء المسلمين، ولاسيما الاساسيين منهم الذين يشكلون القيادة الفعلية للفريقين الاساسيين المتصارعين في البلاد 8 آذار و14 آذار، فإن فكرة تعزيز صلاحيات الرئاسة غير مطروحة على الأقل حالياً . ربما لانه ليس وقتها الآن، وربما لأن المسلمين الذين نجحوا بعد حروب نيف و15 سنة في إقامة صيغة لبنانية انصفتهم و"عدلت" بينهم وبين المسيحيين، رغم الضمور الديموغرافي لهؤلاء، لن يقبلوا بإعادة النظام الرئاسي الى لبنان، وإن لم يُمارس فعلياً مدة طويلة، ليس لأن الرئيس ماروني مسيحي فقط، بل لأن التنوع المذهبي الاسلامي بل التكافؤ المذهبي الاسلامي يحول دون ان يكون النظام رئاسياً، وخصوصاً في ظل استشراء الصراع المذهبي في المنطقة واستفحال المذهبية في لبنان على ما تظهره التحركات في "الشوارع" الاسلامية.  فضلاً عن ان الصراع المذهبي داخل الصف الاسلامي يشجّع عمداً على رفع راية تعزيز صلاحيات رئيس الجمهورية عند المسيحيين لأن من شأن ذلك تعزيز الفرقة والتباعد بين أفرقائهم الاساسيين وارتباط كل منهم بحليفه المسلم ذي الانتماء المذهبي المختلف عن الانتماء المذهبي للمسلم الحليف الآخر.

في اختصار، قد يكون من الأفضل للمسيحيين ان يخرجوا من الماضي الذي يبدو انهم لا يزالون فيه. فالعودة الى رئاسة مسيحية فاعلة وقوية ذات صلاحيات تقتضي ديموغرافيا وجوداً مسيحياً غالباً، وهذا امر غير متوافر. او تقتضي وجودا "اجنبياً" عربياً او اسلامياً او أجنبياً بالفعل يُمكِّن الرئيس المسيحي من "الحكم" بقوة، ومنع المسلمين من الاعتراض او الرفض او من ممارستهم اياهما رغم اقتناعهم بهما. علماً ان "الحكم" هنا يكون للرئيس المسيحي ظاهراً، لكنه فعلاً يكون للـ"وجود الاجنبي". فضلاً عن ان اي خطأ او اجتهاد او تذاكٍ او محاولة تحلل من الرئيس المسيحي قد تدفع هذا الوجود الى تأليب المسلمين عليه وعلى المسيحيين عموماً. وهم قد يكونون جاهزين بسبب عدم رضاهم المشار اليه اعلاه. او تقتضي العودة نفسها انتصار فريق مسلم على آخر في لبنان وتسليمه برئيس قوي حليف له يحكم. لكن رئيساً كهذا لن يكون قوياً ولن يحكم لأن قوته لا تنبع من جماعته بل من الآخرين الأمر الذي يجعل منه واجهة. ومن الأفضل للمسيحيين ايضاً ان يقصروا مطالبتهم على استكمال تطبيق الطائف الذي قد يفتح الباب، اذا كان حظ لبنان واللبنانيين وخصوصاً المسيحيين كبيراً، امام الغاء حد ادنى من الطائفية، مع ضمان استمرار الطوائف ودورها المقرر في القضايا الكبرى من خلال مجلس شيوخ يُنشأ، وتالياً امام استمرار المسيحيين في لبنان في ممارسة مواطنيتهم الكاملة والمهددة بأن تصبح نصف مواطنية مستقبلا، تماماً مثلما هي مواطنية المسيحيين في البلدان العربية والاسلامية. ومن الافضل ان يحاولوا التوفيق بين جناحي الاسلام السنّة والشيعة بدلاً من تحريضهم على التقاتل اقتناعاً منهم بأن ذلك يمكّنهم من الحكم انطلاقاً من سياسة فرّق تسد. فالتحريض ينهي دورهم وربما وجودهم بأسرع مما يظنون. ومن الأفضل للمسيحيين اخيراً ان يتخلوا عن محاولة تكرار الماضي الذي ادى الى حروب نيف و15 سنة، بل ان يتعلموا من هذا الماضي كي لا يكون ثمن التكرار هزيمة لهم كالهزيمة التي "نالها" كل اطرافهم، على تناقضهم، عام 1990. ولكن هذه المرة ستكون الهزيمة نهائية. والخطاب السياسي الحالي لعدد مهم من قادة المسيحيين من شباب ومخضرمين يُقلق