لم تقضِ الضحية زينة الميري في حرب ضد محتل، ولا في مواجهة مغتصب لسيادة لبنان واستقلاله، بل استشهدت بنيران أهل بيتها، أياً كانوا، وقتلت برصاص الجهل والغوغاء والعصبية العمياء. لن تكفي عائلتها المفجوعة كل أصناف الأسف والتأسي واللوعة ما لم تكن دماؤها الزكية نهاية أحزان بيروت وخاتمة هذه الفصول القبلية التي تمعن في تشويه أجمل العواصم العربية، ووجه الحضارة المفتوحة لكل التنوع اللبناني وانفتاحه وديموقراطيته.
لم يعد مقبولاً ولا جائزاً في أي شكل من الأشكال، أن تدفع بيروت من دماء أهلها وسكانها وقاطنيها، الثمن تلو الثمن، ثم يبقى الوضع الشاذ على شواذه. ولا يمكن ان تبقى الدولة والسلطة شاهد زور على هذا الفلتان الذي تحضر معه بسرعة مخيفة ومريبة كل "عدة" الميليشيات والسلاح غير الشرعي وسلاح الفتنة، ليأتي تدخل القوى الشرعية متأخراً دوماًُ.
المسألة لم تعد تعالج بالمسكنات، وإلا فإن ما يفوق 7 أيار هولاً قد يكون على الطريق.
لا نقول ذلك بدافع التكبير والتضخيم، بل لان الحقيقة هي كذلك. فالاحتقانات في أحياء بيروت عادت إلى سقوف مخيفة، وتبادل كرة الاتهامات والحملات ينذر بأن الجمر لا يزال تحت الرماد. وما لم تكن السلطة سلطة، والأمن أمناً جدياً، والقضاء سلطة حازمة جريئة لا تهاب أحداً، فان الضحية الميري لن تكون آخر شهداء تشويه بيروت وعبرها كل المجتمع اللبناني.
لن نوغل في التحليل والتفسير والاجتهاد، احتراماً لدماء الشهيدة زينة الميري على الأقل، وانتظاراً لتحقيق نأمله سريعاً وشفافاً وجريئاً لا يطمس أي وقائع، ويقول الأمور بأسمائها. لكننا لن نخبئ رؤوسنا في الرمال، لان المخفي أعظم إن لم تضبط القوى الشرعية بالكامل كل مظاهر الفلتان وكل أسباب عودة المظاهر المسلحة، وان لم تقتلع تماماً كل الجذور الميليشيوية في بيروت، ومن ثم في كل لبنان.
ولا يخفى على احد ان هذا الحادث المشؤوم جاء مع مطالع موسم الاصطياف كأنه يراد منه ضرب العافية الاقتصادية والسياحية تماماً كما جرى التهويل على مهرجانات بيت الدين بترهيب الفنان جاد المالح ودفعه إلى إلغاء حفلاته.
وبصراحة كلية نقول إن "حكومة وحدة وطنية " ليست هي الباب إلى الوحدة الوطنية إذا ظل هذا التكاذب سيد اللعبة السياسية التي تعني تقاسم الحصص الوزارية فيما الشارع يغلي احتقاناً وينتظر من يضغط الأصبع على الزناد اولاً.
الوحدة الوطنية تبدأ من الشارع، وتبدأ من بيروت قلب لبنان، والمدينة المعطاء التي تتسع لكل لبنان. ولأنها كذلك فان بيروت هي اختباركم، وهي اختبارنا جميعاً، دولة وقوى أمنية، وقضاء ومجتمعاً سياسياً ومجتمعاً مدنياً. وما لم ننقذ بيروت من محنتها فوراً، ومرة أخيرة وحاسمة، فكل كلام عن وحدة وطنية كذب وخبث يظلان السبب الأول لمزيد من الضحايا.