وعد سوري للسعودية بتسهيل الحكومة… لكن الأثمان كبرت – روزانا بومنصف – النهار

باستثناء سفر رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري الى المملكة العربية السعودية لضرورات اعتبرتها مصادر معنية اولوية على خط تأليف الحكومة العتيدة، وتتصل وفق ما يرى بعضهم إما بوجود عثرات حقيقية كبيرة على طريق التأليف وإما باستكمال ما يمكن ان يعتبر " صفقة " متكاملة تكون الحكومة احد بنودها وتشمل احتمالات مصالحة ما ابعد من لبنان تسرب منها كلام على قمم وما شابه ذلك، لم تحمل الساعات الماضية اي حديث لا في الصيغ الحكومية ولا في الحصص الوزارية للافرقاء او حتى في اسماء الوزراء المحتملين. وهذا أمر مستغرب بالنسبة الى كثيرين باعتبار ان تأليف الحكومة يبدأ عادة فور حصول استشارات التكليف وليس استشارات التأليف، وهو أمر لم يحصل بعد. في حين ان الاكثر اثارة للاستغراب بالنسبة الى هؤلاء هو دوران حلقة واسعة من الاتصالات الاقليمية وربما الدولية ايضا مع الحضور الفرنسي في الصورة بعيدا من موقع الرئاسة اللبنانية على رغم اختلاف الوضع كثيرا بما قبل اتفاق الدوحة وما بعده.

واللافت بالنسبة الى المتابعين انه على رغم لقاءات عدة عقدت على نحو غير معلن بين مسؤولين سعوديين والمسؤولين السوريين في المدة الاخيرة على خلفية معالجة الوضع اللبناني – السوري، فان الصورة التي وزعتها دمشق قبل يومين عن اللقاء الذي عقده الرئيس السوري بشار الاسد مع الامير عبد العزيز بن عبد الله ووزير الاعلام عبد العزيز خوجه، بدا القصد منها اعلان هذه اللقاءات، وهذه رسالة سورية واضحة لمن يريد ان يفهم ان دمشق عادت مرجعا في الشأن اللبناني في تفاصيله بما فيها تأليف الحكومة اللبنانية. وساهم في تعزيز هذه الصورة عن دور المرجعية الذي تعلنه دمشق لنفسها مجددا مسارعة الرئاسة الفرنسية الى ايفاد امينها العام كلود غيان والمستشار الرئاسي جان دافيد لافيت في توقيت لافت، اذ أتى في عز الكلام على شروط تعجيزية حملتها دمشق الى زائريها السعوديين كي تسهل تشكيل حكومة تخلو في المبدأ والعنوان من الثلث المعطل لقوى 8 اذار، في حين انها تنطوي على ما هو أبعد بكثير. وأتى هذا التطور غداة الاعلان عن زيارة يعتزم القيام بها وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير في الايام المقبلة لكل من لبنان وسوريا، بما يذكر بالتنافس الديبلوماسي الفرنسي الذي قام خلال الازمة الحكومية في بيروت قبل اتفاق الدوحة، علما ان المقاربة الفرنسية للأزمة وللعرقلة السورية آنذاك أغضبت كلاً من الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية على حد سواء، كما اغضبت فريقا من اللبنانيين اعتبر ان الرئاسة الفرنسية أعادت سوريا الى لبنان من النافذة بعد اخراجها من الباب، كما أحدثت صدعا في العلاقة مع قسم من اللبنانيين. وهذه المقاربة المتجددة بتوقيت زيارة غيان تكشف رغبة فرنسية، على ما تعتبر مصادر سياسية في بيروت، في البحث عن دور يسرّ المسؤولين السوريين كثيرا ويرضيهم من حيث ايلاء الغرب وفي مقدمه فرنسا، دمشق الدور المؤثر معنويا وعمليا في لبنان، او أقله الايحاء بذلك واعطاء الانطباع لمن يلزم بذلك، في حين ان الموقف الفرنسي غير قابل للصرف داخليا على ما اظهرت التطورات قبل عامين لعدم مقدرة الفرنسيين على "المونة" على أي من الافرقاء المؤثرين في الداخل اللبناني لان تدخلهم لا يغير ولا يزيد من شروط 14 اذار ولا يخفف منها، وكذلك الامر بالنسبة الى قوى 8 آذار.




وفي المحصلة لا يعطى الدور الفرنسي اكثر من حجمه بل ان دخول هذا العامل اضافة الى عوامل اخرى على الخط خفف كثيرا من انطباعات سادت منذ استشارات التكليف انه سيكون هناك قدر من السهولة والسرعة في تأليف الحكومة علما ان السعوديين كانوا تلقوا وعدا من السوريين بانهم سيعملون مع حلفائهم على تسهيل تأليف الحكومة على ما كشفوا هم بانفسهم لمسؤولين لبنانيين. ولولا هذا الوعد من السوريين لما شجع السعوديون النائب سعد الحريري على القبول بتولي رئاسة الحكومة المقبلة.

إلا أن التغيير في المعطيات يبدو اساسيا من خلال عودة الوضع الايراني الى التماسك على غير ما كان عليه قبل ايام او لدى انطلاق المفاوضات بعد الانتخابات، علما ان الوضع الايراني تفجر بعد أيام قليلة من الانتخابات النيابية. كذلك طال التغيير المبادرة الاميركية للسلام التي كان يعتزم الرئيس الاميركي باراك اوباما اطلاقها قريبا وأرجأها الى الخريف في المبدأ. الامر الذي دفع بعض المصادر الى القول ان السوريين لم يعودوا مستعجلين كما كانوا، بعد هذه الانتخابات اللبنانية. يضاف الى ذلك انهم يعتبرون انهم اعطوا سابقا من خلال عدم تدخلهم في الانتخابات، ويبدو بالنسبة الى المتابعين انهم يريدون مقابلا لقاء ذلك على نحو مسبق، اي قبل تأليف الحكومة وباتوا يمسكون ورقة قوية هي وجود رئيس مكلف لن يتمكن من تأليف الحكومة في ظل مطالب تعجيزية لحلفاء سوريا في لبنان. وهذا المقابل بدا اولا باول من خلال الرسالة ان مشكلة الحكومة في لبنان لن تحل من دونها وصولا الى أثمان أخرى.