ثمة شيء أكبر بكثير مطروح على الطاولة. وهو في كبره، لم يعد يرى «التفصيل اللبناني»، غير هامش في أسفل صفحة البحث. الصفحة الجديدة المطلوب فتحها، أو صفحة التفاوض الحاصل.
أصلاً، لم يتوهم لبناني يوماً، أكان مواطناً أم مسؤولاً، أنّ بلاد الأرز تمثّل موضوعاً قائماً بذاته أو لذاته، كما تقول الفلسفة السياسية، لدى أي من العواصم المؤثرة. لكن في المقابل، كان الحديث يجري دوماً علناً، على الربط بين المستويين. اليوم، في استثناء غريب، يسود صمت مريب حيال الترابط، لا من يوحي بالعلائق المؤثرة، كل الكلام عن حكومة لبنان. لكن ما خلف الستارة لم يعد مخفياً، نظراً إلى تزايد حجمه.
فمن جهة أولى هناك تاريخ 30 حزيران الفائت قبل يومين، تاريخ عراقي جديد. عنوانه بداية خروج واشنطن أوباما، من مستنقع بغداد بوش.
خروج بدأت تلاقيه الانتقادات الأميركية حيال تأثيره على «السلام النسبي» الذي حققته سياسة «الزخم» المنتهجة منذ عامين عسكرياً، من قوات الاحتلال في العراق، وبالتالي فهو تاريخ، يزيد من إلحاح الحاجة إلى سلسلة مقاربات مواكبة له، ومن بينها الاتصال السوري ــــ الأميركي المطلوب، للمساعدة في ضبط الأوضاع المتولدة جراء الانسحاب.
ومن جهة ثانية، هناك «المسألة الإيرانية» المتفجرة، عفواً أو قصداً، بالتزامن مع الاستحقاق العراقي. صحيح أن الإجماع بات قائماً لدى كل المراقبين، على النسبة الكبرى من الأسباب الإيرانية الداخلية القائمة خلف الأزمة المندلعة.
وصحيح أن الجميع باتوا يدركون أن المؤثر الخارجي لم يكن غير عامل لاحق، حاول ركوب انفجار الصراع على السلطة في طهران، بين أجنحة نظامها وملاليها واستابليشمانت ما بعد الثورة. وصحيح أيضاً أن القيادة الإيرانية حاولت في ردها على هذا الخارج تحييد واشنطن نسبياً، ولو مقارنة بموقفها من لندن، وأنها اجترحت تلك النظرية المقارنة بين ارتباط بي بي سي بالقرار البريطاني، إزاء عدم ارتباط سي إن إن بالقرار الأميركي… لكن كل ذلك لا يلغي واقع، أو احتمال، أن المرحلة المقبلة قد لا تكون مريحة لسياسة «انخراط» واشنطن حيال طهران، وهو أمر يعزز ضرورة التواصل مع دمشق، أيضاً وأيضاً.
وتبقى جهات أخرى لمقاربة الموضوع. فلسطينياً، يكاد خالد مشعل يصير في موقع عرفات ما قبل أوسلو، وقطر جاهزة لدور ما، وتكاد تركيا تصير بديلة مدريد، زمن غزل حرب الخليج الأولى، فيما أوباما يحاول التشبه لهذه الناحية على الأقل ببوش الأب، والأسد مستعد دوماً لأن يكون ابن أبيه…
كل السياق الإقليمي والدولي يوحي بسقوط اتفاق الدوحة لبنانياً. لكن، قبل أن ينتهج البعض أو يكتئب البعض الآخر، يبدو سقوطه لمصلحة إحياء مناخات اتفاق «الطائف الثاني». طائف ما بعد رينيه معوض و6 أيار ــــ أو عائشة بكار ــــ وإطلالة الحريري الأول الإنقاذية.
قبل الانتخابات النيابية الأخيرة، ثمة من أرهص بتحولها إلى 13 تشرين سياسي ضد ميشال عون، وبعدها، ثمة من احتفل، تماماً كما احتفل بعد 13 تشرين الأول العسكري. غير ان ما تجدر ملاحظته، أن «العملية العسكرية» تلك، انتهت إلى سلسلة من الاغتيالات الجسدية، إيذاناً بسقوط كامل مفاعيلها اللبنانية، ومن لا يدرك ثوابت لبنان ومحيطه، فقد يكون عرضة للاغتيال السياسي بعد 13 تشرين السياسي، إذا لم تعلمه التجربة