التباس بري هل يُذكِّر سعد الحريري؟ – سركيس نعوم – النهار

هل بالغ رئيس مجلس النواب السابق والجديد نبيه بري في تقديره لإيجابية الأجواء الاقليمية، وتحديداً العربية، حيال لبنان وتالياً في اعتقاده انها ستلعب دوراً مهماً في ازالة العقبات من أمام توافق فريقي 8 آذار و14 آذار على تأليف حكومة وحدة وطنية بعد الانتخابات النيابية الاخيرة، وتالياً في التخفيف من حدة الانقسام المذهبي وعودة الانقسام الطائفي وان بخَفَر حتى الآن على الأقل؟ هل كانت لديه معطيات تؤكد ان "السين – السين" اي السعودية وسوريا اتفقتا ليس على حل خلافاتهما المتشعبة والعميقة بل على خريطة طريق تمكّن لبنان من استكمال مؤسساته (مجلس النواب ثم الحكومة) وانطلاقها في العمل وإن من أجل تهدئة الأوضاع واشاعة حد أدنى من الاستقرار، الأمر الذي يسمح للبنانيين بانتظار التسويات في المنطقة من دون "مشاكل" أو انفجار الخلافات داخلها وعليها على نحو مخيف؟ أم ان تكرار الاشارة الى هذا الأمر المنطلق من اتصالات قامت فعلاً بين الرياض ودمشق لكنها لم تصل الى تفاهمات نهائية كان بقصد ترطيب الاجواء وتمهيد الظروف لعودته الى الرئاسة الثانية مكللاً باصوات نيابية تفوق المئة في عددها وفي الوقت نفسه لتمييزه حتى عن محيطه بل عن حلفائه المباشرين في حركته السياسية الداخلية وإن من دون التخلي عن "الثوابت المشتركة" ولا سيما بعدما ساد اعتقاد او ما هو اكثر من اعتقاد في الأوساط السياسية والشعبية كما الاقليمية والدولية ان وزن الرجل لم يعد كما كان بسبب المتغيرات المعروفة رغم احتفاظه بحجم يدعو الى الاحترام ويدفع الى عدم اغفاله من الحساب؟

ماذا قصد رئيس مجلس النواب السابق والجديد نبيه بري بدعوته العلنية الى تذويب فريقي 8 آذار و14 آذار؟ هل قصد أن يتولد عن ذوبانهما احدهما في الآخر، من شدة "الوجد" أو العداء، فريق ثالث له حسناتُ كلٍّ منهما وخال من سيئاته؟ أم هل قصد ان يفتح باب الحديث علناً ولكن على نحو غير مباشر عن صيغة جديدة للحكومة تلحظ مشاركة الفريقين المذكورين اعلاه او غالبية اعضاء كل منهما فيها ولكن لا تلحظ  "الثلث المعطل" الذي يسميه البعض ضامناً والذي شلّ الحكومة السابقة والذي يفترض ان ينتهي العمل به بعدما اعلن رئيس الوزراء القطري انتهاء اتفاق الدوحة او مفاعيله، باعتبار ان الثلث هذا كان جزءاً من الاتفاق الاستثنائي الذي رمى الى معالجة مشكلة أو أزمة استثنائية طارئة على "الأزمة" الوطنية الاكبر التي لا حل لها حتى الآن؟ وهل بحث الرئيس بري مع حلفائه وأبرزهم على الاطلاق "حزب الله" في موضوع الثلث الضامن أو في موضوع الحكومة الجديدة وبالتفاصيل واتفق معه أو اختلف معه على ذلك؟
– الانطباع السائد عند اللبنانيين أو عند غالبيتهم ان تضامن رئيس مجلس النواب السابق والجديد نبيه بري مع "حزب الله" بل تحالفه معه عميق واستراتيجي وخصوصاً في كل ما له علاقة بالمقاومة وسلاحها وظروفها. لكن هناك انطباعاً آخر سائداً عند اللبنانيين هو ان بري يريد حرية حركة في سياسته الداخلية لا تؤثر على ثوابته المذهبية والوطنية والمقاوماتية. وهي حرية فقدها منذ سنوات لمصلحة الحزب وحلفائه الخارجيين. وهذا الانطباع كوّنته مواقفه وخصوصاً في الأشهر القليلة الاخيرة والتي اوحت، بل اكثر من اوحت، انه يعمل للانتقال سياسياً الى موقع الوسط بمشاركة من حليفه اللدود النائب وليد جنبلاط وصديقه الرئيس نجيب ميقاتي وربما بدعم من رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان. ماذا كان رأي حلفائه، وفي مقدمهم "حزب الله" والرعاة الاقليميون للاثنين، في ذلك؟ هل ارتاحوا الى مسعاه؟ أم خافوا منه وتحركوا لمواجهته؟




– هل صحيح ان رئيس مجلس النواب السابق والجديد نبيه بري شعر ولأسباب متنوعة، وخصوصاً بعد عودته الى الرئاسة الثانية، بارتباك بسبب عدم مطابقة حسابه الانتخابي حساب البيدر النيابي؟ أو بسبب اصرار حلفائه عليه وابرزهم "حزب الله" بعدم الاقدام على خطوة تفقدهم الغطاء المسيحي وتحديداً الماروني، مثل الانفراد بتسمية النائب سعد الحريري لرئاسة الحكومة في الاستشارات النيابية الملزمة في قصر بعبدا؟ والامران دفعاه الى موقف اقل ما يقال فيه انه ملتبس وغير دستوري، اذ  لم تجر العادة ان يبلغ رئيس كتلة نيابية رئيس الجمهورية اسماً ثم يتراجع عنه – على ما قيل – ، وان يقول له: انا شخصياً اسمي فلاناً لتشكيل الحكومة لكن غداً ابلغ اليك الرأي النهائي لكتلتي النيابية – على ما قيل أيضاً -. ولم يعوّد الرئيس بري الناس اظهار ارتباك كهذا، حتى في أصعب الظروف التي عاش وفي ظل اقسى الضغوط التي مورست عليه منذ احترافه السياسي ومن الحلفاء؟
طبعاً ليست هذه هي الاسئلة الوحيدة. فهناك كثير غيرها. ولا أجوبة عنها الا عند الرئيس بري. ولا أحد يعرف اذا كان سيعطيها للرأي العام أو لمناصريه أو حتى لمن يقال انه اتفق واياهم من "الفريق" الآخر على أمور عدة بعضها تفصيلي. لكن ما يمكن قوله في هذا المجال انه كان على النائب سعد الحريري ومعه فريق 14 آذار ان يدرك منذ البداية ان لا احد في لبنان يتمتع بحرية حركة واسعة. فالخارج المتنوع والمتناقض، سواء الذي خرج من لبنان رسمياً وبقي فيه فعلياً، أو الذي له وجود فيه من زمان من دون حاجة الى وجود عسكري على أرضه، أو الذي له فيه من زمان مرتكزات امنية وشبكات استخبارية، ربما قرر منع لبنان من الانزلاق الى فوضى وفتنة وحرب لكنه لم يتخلَّ عن لبنان الساحة التي قد يحتاج الى استعمالها مرة جديدة، سواء في الداخل أو مع محيطها الشقيق والعدو اذا ثبُت له (على تنوعه وتناقضه) ان الحركة الاقليمية – الدولية الايجابية ظاهراً هي حركة بلا بركة. وربما هو يدرك ذلك. وكان على الحريري، وخصوصاً بعدما كُلّف تأليف الحكومة الجديدة ان يتذكر أو كان على محيطه ان يذكّره ان والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري عندما كلفه الرئيس الراحل الياس الهراوي تأليف اول حكومة له في اواخر 1992 بعد موافقة الرئيس السوري (الراحل) حافظ الأسد اصطدم بعد تكليفه مباشرة برفض رئيس المجلس نبيه بري قبول اعطاء حكومته صلاحيات استثنائية كان يؤمن انه من دونها لا مجال للقيام بالكثير. وكان محقاً. ولم يعرف يومها اذا كان ذلك رفضاً من بري أو من الاسد (الراحل) بواسطته او من الاثنين معاً.

وربما على رئيس الوزراء المكلّف سعد الحريري ان يتذكّر ما كان يسمعه من والده الشهيد عن صداقته لبري وعن معاناته الكبيرة معه واحياناً منه، هو الذي قال همساً وكان يكلم نفسه قبل جلوسه الى طاولة غداء في قريطم مع عدد قليل من اصدقائه: "الآن صرت أفهم معاناة والدي مع الرئيس بري".
في اختصار تبقى الصراحة افضل طريقة للنجاح في تأليف الحكومة ثم في "ادارة" البلاد وليس في حكمها، لأن ذلك مستحيل وسابق لأوانه. وليس اللعب على الالفاظ. ولا اجراء تفاهمات من تحت الطاولة. واجتذاب من يُظن انه صار جاهزاً لتغيير المواقع. ولا تطويق الاقوياء. طبعاً هذه الأمور في صلب العمل السياسي وخصوصاً في لبنان. لكن خطورة وضع لبنان وهشاشته لا تحتملان اللعب وهذا النوع من السياسة.