احترموا السيّاح – غسان شربل – الحياة

انا لا أطالب السياسيين باحترام اللبناني العادي. لا هو كلفني ولا أنا تطوعت. وفي الطلب وقاحة أصلاً. تقضي اللعبة إبقاء اللبناني على قدر من التوتر. الطمأنينة تنفّس عصبيته. تجعل استدعاءه متعبا. واستنفاره صعبا. يجب ان يكون جاهزاً، فالوضع متحرك. وقد يحتاجون إليه لتظاهرة او احتجاج او ما يتعدى ذلك. يحتاجون اليه ليقترع ويبايع. ليصفق او يهتف. او ليقطع الطرقات.

لنترك اللبناني جانبا. لنتركه لمصيره. انه أسير وليس متاحاً له ان يختار. وظيفته أصلاً ان يكون من وقود اللعبة. وهو أظهر وفاء نادراً لدوره او قدره. ما يهمني هم السياح. وغاياتي ليست انسانية او نبيلة. اننا في امسّ الحاجة اليهم. وسوء التعامل معهم يهجرهم الى انحاء اخرى. وسيكون مخيفاً ان يتركونا لوحدنا. لن نجد ما نملأ الوقت به غير التقاتل والتشاحن.




وما دام احترام اللبناني متعذراً فليحترم السائح على الاقل. علّه يبتهج وينفق. ويحرض اصدقاءه على المجيء. يجب ابقاء السياح خارج سوء التفاهم اللبناني المزمن. اتركوا لهم متعة البحر ولذة الجبل. لا تستدرجوهم الى بشاعة لبنان السياسي والطائفي. لا تحدثوهم عن التعايش والتركيبة وقانون الانتخاب وحياكة السجادة الحكومية. اتركوهم للتبّولة والكبة والمشاوي والشنكليش والفواكه. فهذا أشرف وأفضل. وحذار من فرض الازياء اللبنانية عليهم. وتوزيعهم على المعسكرين. او تطبيق اتفاق الدوحة عليهم. او المطالبة بإعطاء سياح خط الممانعة ثلث الفنادق وفندقا زائداً ليتسنى لهم تعطيل الموسم ان لم يعجبهم.

احذر من تسميم إقامة السياح. نحن بأمس الحاجة الى دولاراتهم. لذلك اقترح هدنة صيفية. حصر حق التصريح برؤساء الكتل وعند الضرورة. اعطاء مطابخ الشائعات والمصادر المطلعة إجازة. تشجيع النواب على تمضية الصيف بين ناخبيهم من دون خطب او تصريحات. يمكن ان يهتموا بالبيئة او ان يشاركوا في قطاف المواسم. وقف برامج الحوار السياسي على الشاشات. اثبتت التجربة انها تساهم في ضخ التوتر لدى المشاهدين فضلا عن دورها في رفع معدلات التعصب والكوليسترول والسكري واستهلاك المهدئات والتسبب في زحمة سير خانقة على طرق المصحات. التذرع بمشاعر السياح لمنع نقل جلسة الثقة بالحكومة الجديدة على الهواء ومنع اي مداخلة تفيض عن بضع دقائق. اعرف ان في الامر ظلماً لنواب جدد يستعدون للتدرب بالمشاهدين ومشاعرهم، لكن المجال سيكون مفتوحا في الخريف بعد انقاذ الموسم السياحي. لا تفسدوا البيئة الملائمة للسياح. لا ترعبوهم بالرصاص الطائش كلما ولد صبي حتى ولو كان سيحكمنا لاحقا. أجلوا الملفات الخلافية والاشكالية. ستكون لنا عقود كاملة نتحاور فيها حول الاستراتيجية الدفاعية والغاء الطائفية السياسية وازياء قوانين الانتخاب وحق الفوز بأصوات الطوائف الاخرى.

اتركُ القضايا الكبرى وانهمكُ بالصيف والسياح. فكرة الهدنة الصيفية تصلح لأماكن اخرى. سمعت محللاً يدعو الى تفهم ظاهرة القرصنة في خليج عدن. ربطها بالفقر والاحباط. كان يفترض بالامم المتحدة تأمين محطات تبريد عائمة لأشقائنا القراصنة الذين يضطلعون بدورهم في ظروف بالغة الصعوبة وفي حر لاهب. لا بأس بهدنة صيف. فترة مراجعة لفرز الغلال وتطوير الاساليب على ان يستأنف النشاط مع بدايات الخريف. يمكن نقل الهدنة الى البر الصومالي الذي تكويه الشمس. لن يتغير شيء. باستطاعة الصوماليين مواصلة انتحارهم الطويل بعد وداع الصيف. ولا ضرر في نقل الهدنة الصيفية الى صعدة. وتشجيع السياح على العودة الى اليمن. هدنة الصيف مفيدة تنعش رصيد المنطقة من السياح الذين قد يضطر البعض الى خطفهم لاحقا.

منطقتنا حارة وصيفها قاس. لا أفهم اسباب الإصرار على العمل في ظروف صعبة. يمكن إبرام هدنة صيفية طويلة. لن يتغير شيء. وغداً حين يأتي الخريف، باستطاعة الجميع العودة الى المناكفات والحروب التي تقطع الطريق على قيام الدول والمؤسسات. لا عزاء لنا في بلداننا. رهاننا الوحيد على السياح.