إيران: العرب معنيون بما يجري! – علي حماده – النهار

"هذا نظام يقود أبناءه إلى المسلخ"! نستعير هذه الصورة الفظيعة من بيان صدر عن المرشح الايراني لرئاسة الجمهورية مير حسين موسوي في موقعه الخاص على شبكة "الفايس بوك"، للاضاءة على حجم الازمة التي تعانيها الجمهورية الاسلامية في ايران، ولا سيما النظام الذي يجد نفسه مدفوعا نحو مواجهة دامية مع المواطنين العاديين في شوارع طهران وتبريز وأصفهان وغيرها من المدن الايرانية من اجل وقف المسار الانحداري الداخلي الذي يسلكه النظام من دون ان يتمكن حتى هذه اللحظة من التعويل على البروباغاندا التي تتهم الغرب بالتدخل في الشؤون الايرانية الداخلية من اجل خلق واقع يحتمي بالشعور القومي لاجهاض الانتفاضة السياسية الدائرة حاليا في البلاد.

في 1979 كانت الثورة على نظام الشاه من خارج النظام، واما اليوم فان وجها رئيسيا من وجوه الثورة على النظام يأتي من داخله. فالمرشحون الرئاسيون الخاسرون الثلاثة ابناء النظام، والرئيسان السابقان محمد خاتمي وهاشمي رفسنجاني اللذان يدعمانهم هما من اعمدته الرئيسيين ، اما المتظاهرون في الشارع فهم ابناء الطبقة الوسطى التي تثور اليوم على واقعين، الاول نتائج الانتخابات الرئاسية باعتبارها مزورة، والثاني وهنا الاهم، نظام "ولاية الفقيه" الذي جعل ايران اقرب الى نظام ديكتاتوري. فعندما هتف المتظاهرون في الشارع "الموت للديكتاتور" من دون تسميته انما هتفوا ضد "الولي الفقيه". هذا عنوان الازمة الحالية في ايران التي تختلف عن انتفاضة 1999 الطالبية، اذ ان الانتفاضة الحالية تجد لها قاعدة اوسع في شرائح المجتمع الايراني، ومن هنا الهزة العنيفة التي يتعرض لها النظام برمته.
قد ينفذ الحرس الثوري، تلك القوة العسكرية العقائدية التوجه تهديده بـ"الرد الثوري" على التظاهرات، فيغرق شوارع طهران والمدن الكبرى في بحر من الدماء، ويقدم على اعتقال كوادر الانتفاضة السياسيين او تصفيتهم، ولكن الازمة ستبقى ازمة النظام الايراني.




والمؤكد هنا ان ايران تغيرت، حتى لو عاد مرشد الثورة "الولي الفقيه" السيد علي خامنئي الى التحكم بها بالقوة، فقد سقطت هالة النظام، وسقطت هالة المرشد، وسقطت معصومية "الولي الفقيه" المفترضة في بيئتها الاصلية بعدما خرج ملايين الايرانيين لينقضوا تلك النظرية فوق ارض ايران، ويواجهوا بالحديد والنار.
ليس قليلا ان تنام مدن ايران الكبرى كل ليلة، على وقع صيحات "الله اكبر" الاحتجاجية من فوق اسطح المنازل، والتي تعبر اكثر ما تعبر عن تحد مباشر للسلطة ولشخص السيد علي خامنئي نفسه. وليس قليلا ان يتحدى الايرانيون تهديدات مرشد الثورة بالنزول الى الشوارع والاستشهاد فيها في سبيل الحرية والعدالة على النحو الذي استشهدت فيه الطالبة "الرمز" ندى. وليس قليلا ان تمارس السلطة في ايران الاغلاق التام على الاعلامين المحلي والخارجي فيتحول ألوف الطلاب الايرانيين مراسلين ميدانيين يطلعون العالم على ما يجري في ايران، متحدين بذلك التخلف الاعلامي الذي يمارسه نظام يخاف شعبه والحقيقة الشعبية.

تبقى لنا نحن العرب كلمة في ما يجري في ايران: صحيح ان ما يجري في ايران هو شأن الايرانيين اولا واخيرا، وصحيح ان المعركة القائمة هنا تبقى في احد اوجهها صراعا على السلطة من داخل النظام، وقد لا يكون ثمة فارق كبير بالنسبة الينا في لبنان والمشرق العربي بين هذا وذاك من المرشحين، لكن الصحيح من جهة اخرى ان ثمة ايرانيين احرارا يقتلون في الشوارع لمجرد انهم يحتجون على التزوير في الانتخابات الرئاسية، والصحيح ايضا ان ايران "ولاية الفقيه" كما هي اليوم تمثل تهديدا مباشرا للمشرق العربي برمته كيانات ومجتمعات، لذلك فان العرب الاحرار، وخصوصا ابناء ربيع بيروت وربيع دمشق، معنيون بهذا التاريخ الحي الذي يكتب راهنا بدماء احرار ايران…