القوة العسكرية تعيد اللاجئين… لا الممانعة – سركيس نعوم – النهار


المستحيل الآن قد لا يعود كذلك في يوم من الايام وتقبل اسرائيل بتسوية "مشكلتها" مع الفلسطينيين انطلاقاً من حل الدولتين الذي سعى اليه الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون وتحدّث عنه علناً خلفه الرئيس السابق جورج بوش الابن وتعهد الرئيس الحالي باراك اوباما وضعه موضع التنفيذ.
والمستحيل الآن قد لا يعود كذلك في يوم من الأيام وتقبل اسرائيل بالتخلي عن فلسطين الانتداب. وتقبل بتجميد الاستيطان في الضفة الغربية ووقف التحايل عليه بحجة النمو الطبيعي في المستوطنات القديمة. والمستحيل الآن قد يحصل في يوم من الأيام وتقبل اسرائيل بان تكون القدس العربية او الأحياء العربية من القدس الشرقية او الضاحية العربية لها عاصمة لدولة فلسطين، طبعاً بعد تفاهم معيّن على صيغة تسمح لأبناء الديانات التوحيدية الثلاث بالوصول الى اماكن العبادة فيها.
والمستحيل الآن قد يحصل في يوم من الأيام وتقبل اسرائيل بدولة فلسطينية سيدة في الحد الأدنى وإن مع قيود تمنع انخراطها في احلاف عسكرية.
والمستحيل الآن قد يحصل في يوم من الأيام، وتقبل اسرائيل بإعادة الاراضي السورية المحتلة الى اصحابها رغم قرار ضمها الى اراضي الدولة بقانون .
والمستحيل الآن قد يحصل، في يوم من الأيام، وتقبل اسرائيل إعادة مزارع شبعا الى لبنان، ومعها تلال كفرشوبا وقرية الغجر والتخلي عن اطماعها في المياه اللبنانية. لكن ما لن يحصل ابداً هو قبول اسرائيل بعودة اللاجئين الفلسطينيين الذين طردهم من أرضهم فلسطين التي صارت اسرائيل مؤسسوها والذين طردوا لاحقاً وخصوصاً بعد حرب 1967.
وما لن يحصل ابداً هو قبول اسرائيل بالحق المبدئي لعودة هؤلاء اللاجئين الى ارضهم. ذلك ان العودة الشاملة تهدد "يهودية" دولة اسرائيل في صورة مباشرة علماً ان هذه "اليهودية" تواجه تهديداً مؤجلاً بعض الشيء ولكن من الاقلية الفلسطينية – العربية التي بقيت في ارضها بعد قيام دولة اسرائيل والتي سيستمر تزايد عددها بحيث يؤدي مع الزمن الى دولة ثنائية القومية وربما لاحقاً الى دولة اسرائيلية ذات غالبية فلسطينية.
اما الاعتراف بحق العودة، وإن مع تطبيقه في أضيق نطاق ممكن، فانه غير وارد لدى اسرائيل لانه يلزمها إعادة آلاف الفلسطينيين على مدى سنوات وفي اطار  جمع شمل العائلات، ومن شأن ذلك تهديد "يهوديتها". ومن شأنه أيضاً الاستحصال على اعتراف منها بظلم اقترفته وعلى قبول منها بتصحيحه مبدئياً وربما لاحقاً بتنفيذه في حال تغيّرت موازين القوى في المنطقة والعالم.

هل تستطيع اسرائيل وحدها ان تفرض رفضها لحق العودة للفلسطينيين على كل العالم؟
لقد فرضته وانتهى الأمر من زمان. فالولايات المتحدة حليفتها وحاميتها تشاركها في اعتبار حق العودة او العودة خطراً وجودياً عليها، وكذلك أوروبا وغالبية المجتمع الدولي. ولذلك فان أحداً لن يفرض عليها قبول أمر كهذا. مرة واحدة كادت اسرائيل ان "تنزلق" الى قبول مبدأ حق العودة ولم الشمل اثناء المفاوضات التي قادها بين الراحل ياسر عرفات وايهود باراك الرئيس كلينتون في أواخر ولايته الثانية والتي قدّم فيها عرضاً اعتبر الكثيرون في العالم ان رفضه صعب جداً. لكن عرفات رفضه على ما تؤكد غالبية المتابعين والمسؤولين في اميركا وخارجها. اما الدول العربية، ورغم تمسكها بحق العودة، فانها تعرف الحقيقة المذكورة أعلاه. وتعرف إن الاصرار عليه يعني اصراراً على عدم التسوية.
ما الحل اذاً لهذه العقدة الكبيرة (حق العودة) التي تساوي من حيث حجمها وخطورتها عقدة القدس؟
لا حل تفاوضياً لحق العودة. وحدها القوة تفرض على اسرائيل قبوله او تنفيذه. ووحده استعمالها يحقق الغاية المنشودة. اما هوية هذه القوة فلا يمكن إلا أن تكون عربية. لكن العرب يعرفون، ومعهم العالم، ان القوة المطلوبة غائبة وان توفيرها لم يعد ربما ممكناً، وان إرادة استعمالها غير متوافرة لأن اخطاراً جديدة وداهمة بدأت تهدد دولهم.
طبعاً لا يعني ذلك انكار وجود المقاومة في فلسطين والمقاومة في لبنان. لكن الاثنتين، على القوة التي تملكان، لا تستطيعان حسم حرب ناشبة منذ عقود مع اسرائيل. وربما تحسمان معركة، كما فعل "حزب الله" يوم فرض على اسرائيل الانسحاب من الاراضي التي احتلت في لبنان على مدى ٢٢ سنة




هل المقصود من هذا الكلام "التيئيس"؟
طبعاً لا. المقصود هو دفع العرب، ومنهم اللبنانيون، الى الموضوعية في التفكير في موضوع اللاجئين الفلسطينيين والى عدم استغلال دولهم المتنوعة اياه بغية تصفية صراعات في ما بينهم او مع الخارج. والمقصود لبنانياً هو ابراز خطر توطين فلسطينيي لبنان فيه والتذكير بأنه لا يستطيع وحده او مع اشقائه إعادة هؤلاء الى بلادهم. وهو أيضاً دفع اللبنانيين مجتمعين، طبعاً بعد تحسين ظروف معيشة اللاجئين الى ارضه من فلسطين، الى البحث مع العالم كله في حل لهؤلاء خارج لبنان، سواء في دولة فلسطين اذا قامت، او خارجها عندما يحين اوان البحث في الحلول الكبرى.