… والاقتصاد أيها الناخب؟ – راجح الخوري – النهار

لم تكن الاوساط الاقتصادية والمالية والبيئة الاستثمارية في لبنان بحاجة الى ما نشرته صحيفة "الفايننشال تايمس" ثم الى مسارعة صندوق النقد الدولي الى نفيه، لكي تغرق في مزيد من القلق والشكوك والمخاوف من الانعكاسات السلبية المحتملة، في حال نجاح المعارضة في الحصول على الاكثرية في الانتخابات يوم الاحد المقبل.
وكانت الصحيفة المذكورة، اشارت الى محادثات جرت بين صندوق النقد و"حزب الله" بهدف استمرار الدعم للبنان في حال فوزه مع المعارضة في الانتخابات، لكن الصندوق سارع الى نفي الخبر فأصدر بيانا قال فيه انه لم يتفاوض مع اعضاء من الحزب او انصاره.
لكن صحيفة "النيويورك تايمس" عادت في اليوم الثاني (28 ايار الماضي) ونقلت عن اوساط "حزب الله" ان محادثات جرت فعلا بين الحزب والصندوق الدولي والاتحاد الاوروبي في شأن استمرار المساعدات اذا فازت المعارضة، وكل ذلك على خلفية القلق لدى المؤسسات الدولية من اسقاط الدعم للبنان الذي قرره المانحون في المؤتمرات السابقة، اضافة الى امكان تبخر ثقة المستثمرين بسبب مقاربات المعارضة للمسائل الاقتصادية كما هو معروف.

طبعا ليس خافيا على احد في لبنان ما تعرضت له سياسات الانماء والاعمار والخطط الاقتصادية والمالية التي وضعتها الحكومة وحصدت دعما دوليا غير مسبوق سواء في مؤتمر باريس 2 او 3، من انتقادات وهجومات ورفض وتشكيك. ودائما على خلفية الشعارات التي دأبت على اتهام الاكثرية بـ"رهن لبنان الى الخارج واخضاعه للوصاية الدولية"، وهو ما يثير الآن الخوف من ان تتغير سياسات لبنان المالية، لجهة برامجه الاصلاحية التي طالما لاقت انتقاد المعارضة لجهة ايفائه بالتزاماته الخارجية، واكثر من كل هذا لجهة حماسة الدول النفطية العربية وخصوصا السعودية لتقديم الدعم والمساعدة له اذا دخل المحور الايراني – السوري على ما يبشر الرئيس احمدي نجاد!
وعندما ترتفع علامات الاستفهام والتوجس في الاوساط الاوروبية ولدى صندوق النقد الدولي وعند الادارة الاميركية التي تمسك بكلمة السر الفاعلة في مسار المساعدات الدولية، حيث يبرز هنا كلام نائب الرئيس الاميركي جو بايدن في بيروت، كمؤشر واضح وصريح، عندما تبرز كل هذه المواقف والمؤشرات انطلاقا من فرضية وإن غير مؤكدة قطعا، وهي فوز المعارضة بالاكثرية، فان البيئة الاقتصادية والمالية والاستثمارية في لبنان تكون قد دخلت عمليا في حال من التوجس والخوف من ان يستيقظ اللبنانيون يوم 8 حزيران ليجدوا انفسهم امام روزنامة جديدة ستجعل الوضع الاقتصادي في لبنان عاجلا ام آجلا، رديفا للواقعين الايراني والسوري على هذا الصعيد.




وعلى هذا الاساس، ترتفع وراء جدران مغلقة هذه الايام داخل المؤسسات الاقتصادية والمالية، وفي المصارف والشركات المالية والدوائر الاستثمارية، حمى من الاسئلة القلقة التي يعمقها في الواقع غياب اي خطة اقتصادية منهجية عن البرامج الانتخابية لقوى المعارضة، ومن هذه الاسئلة:
❐ اولا: ما هي خطة "حزب الله" والمعارضة حيال موضوع الخصخصة ومسألة السياسات الضريبية وقواعد الاستقرار النقدي؟
❐ ثانيا: كيف ستنظر المعارضة اذا تحولت اكثرية، الى موضوع الفوائد، وكيف ستتعاطى مع القطاع المصرفي وقطاع الكهرباء مثلا الذي اداره وزراء معارضون دائما؟
❐ ثالثا: كيف ستتم معالجة اطفاء الدين العام؟ وماذا سيكون مصير الاصلاحات التي شكلت مسوغا سهّل حصول لبنان على المساعدات في مؤتمري باريس 2 و3 اللذين كانا محط انتقادات وحملات وتشكيك من قوى المعارضة؟
❐ رابعا: هل تتم تغطية العجز عن مواجهة هذه الملفات والمسؤوليات الدقيقة باثارة مسائل الاهدار ومحاربة الفساد، فنعود الى ما عرفناه ايام "غرفة الاوضاع" و"المواطن الصالح" لتسود سياسة الانتقام والكيدية، ويبدأ هرب المستثمرين وفرار رؤوس الاموال؟!
❐ خامسا: لقد عطلت المعارضة، كما هو معروف، الخطوات الاصلاحية والبرامج المقدمة الى مؤتمر باريس 3، وهو ما ادى الى حصول لبنان على نصف المبالغ المقررة له وهي 7,6 مليارات دولار، لان النصف الآخر مشروط بتطبيق الاصلاحات التي تعهد باجرائها، فهل ستقبل المعارضة بالاصلاحات؟ وهل ستقوم بالالتزامات المترتبة من هذه المؤتمرات وهو ما يجعلها عمليا قابلة بـ"الوصاية الدولية والارتهان الى الخارج"، على ما تتهم به الاكثرية؟
❐ سادسا: من اين ستدخل المساعدات الى لبنان، وكيف ستطمئن الاستثمارات والودائع ورؤوس الاموال فيه، اذا صحت نظرية الرئيس الايراني عن نجاح المعارضة في الانتخابات، بما سيغير المنطقة كما يقول، وخصوصا ان هذا التغيير لا يعني شيئا من الاستقرار الامني والسياسي لأسباب تتصل بطبيعة الممانعة ووتيرة عملها، مع العلم ان هذا الاستقرار هو الشرط الوحيد للنمو والازدهار الاقتصادي؟

هذا غيض من فيض الاسئلة المتوجسة التي تطرح الآن عشية الانتخابات والتي لم تعد محصورة في الاوساط الاقتصادية والمالية، بل ان من واجب المواطن اللبناني الذي يأمل بالاستقرار ويطمح الى الهدوء والعيش المطمئن، ان يذهب الى الانتخابات ليصوّت من اجل الاستقرار وهدوء البال والحياة المطمئنة التي يطمح اليها منذ عقدين من الزمن.
ان التدقيق في الخطاب الانتخابي لمجمل القيادات والقوى السياسية في البلاد، يعطي بحق النائب سعد الحريري علامة فارقة ومميزة، لانه حرص قبل ان تبدأ المهرجانات وتحتدم الخطب والمنافسات على الاهتمام بالشأن الانمائي وايلائه افضلية واضحة، وكذلك على تقديم مقاربات اقتصادية طموحة، وان يركز في برنامجه السياسي – الانتخابي على اهمية التطوير والاستثمار في حقول وقطاعات حيوية مثل التعليم والصناعة والسياحة والزراعة والتجارة والتطور التقني وقطاع المصارف.
وكما راهن والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري على الاستثمار في الانسان وفي العلم والاختصاص والحداثة، يراهن هو على الخط عينه عندما يكرر دائما، ان شعار لبنان اولا يعني ان الانسان اللبناني اولا، الانسان بما له من حق في الحياة المستقرة الآمنة المطمئنة والطموحة.
وفي هذا السياق لا يقتصر الامر على مروحة المشاريع التي انشأها وموّلها في معظم المناطق، فهذه على اهميتها تفاصيل كما يقول.
والاهم هو البرنامج الانمائي الاقتصادي الذي يملكه كخطة منهجية للنهوض والاعمار والتقدم.