ليس صحيحاً القول إن نتائج أول من أمس هي تكرارٌ حرفيّ لنتائج إنتخابات العام 2005. فأن تكون 14 آذار عادت الى المجلس بـ71 نائباً ـ كما بدأت في العام 2005 ـ وأن يكون 8 آذار عاد بـ57 نائباً، فذلك لا يعدو كونه مجرّد "معادلة رقمية" بحتة.
الثقة المدعّمة شعبياً
أما حقيقة الأمر فهي ان 14 آذار ربحت الإنتخابات وفازت بالغالبية النيابية، من زوايا عدة.
ربحت 14 آذار من زاوية أنها شدّدت على أن الإنتخابات مصيرية، فأتى الإقبال الشعبي ـ من كل الطوائف والمذاهب والمناطق ـ ليثبت حقيقة أن الإنتخابات مصيرية بالفعل من وجهة نظر اللبنانيين كل اللبنانيين.
وربحت 14 آذار من زاوية أن "المعادلة الرقمية" بينها وبين "الفريق الآخر"، جاءت لتثبت أن الثقة المفرطة التي أظهرها 8 آذار ـ و"حزب الله" خصوصاً ـ قبل الانتخابات كانت "مبالغة"، كما كانت بمثابة تجديد ثقة بها من جانب أكثرية الشعب اللبناني، أي بـ"ثقة شعبية" عالية، حتى ليمكن القول إن النتائج أتت مطابقة لحجم "الرأي العام" الـ14 آذاري العابر للطوائف والمناطق، والذي كان جرى إختبار ولائه أربع مرات بعد 14 آذار 2005، في 14 شباط من أعوام 2006 و2007 و2008 و2009 في الذكرى السنوية لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري.
وربحت 14 آذار من زاوية أنها لم تخسر! أي ربحت لأنها لو لم تربح لكان مضيُّ "الفريق الآخر" في مشروعه "أسهل" بل لكان "الفريق الآخر" إستشرس "هجومياً".
أكثرية "موصوفة" بلا "تحالف رباعي"
بيدّ أن الأهم هو أن 14 آذار ربحت من زاوية إسقاطها "المدوّي" للمقولة التي حملها "الفريق الآخر" طيلة السنوات الماضية إذ نسّب أكثرية الأكثرية الى "التحالف الرباعي" في العام 2005. فها هي تربح من دون "تحالف رباعي" بل تربح عملياً بأكثر من 71 نائباً لو لم "تُهدِ" مقعداً مضموناً في إحدى الدوائر المضمونة.. ولولا "إتفاق المناصفة" في الدوحة في دائرة أخرى.
الإختزال والإلغاء شيعياً
على أن ثمة من يرى، بالرغم من المعاني السالفة لفوز 14 آذار بالأغلبية النيابية مجدداً، أن الأمور عادت الى ما كانت عليه قبل 7 حزيران، لجهة التمثيل الشيعي من جهة والتمثيل المسيحي من جهة أخرى. وذلك ما يقتضي تصويباً.
ماذا بالنسبة الى التمثيل الشيعي أولاً؟
لا شك أنه مكابرٌ من لا يعترف بأن الثنائية بين "حزب الله" و"أمل" عموماً تشكّل الأكثرية السياسية الشيعية، بل إن "حزب الله" هو "الأقوى" في هذ الإطار، حتى إشعار آخر على الأقل، لا سيما أنه ـ أي الحزب ـ يمتلك عوامل "قوّة مادية" تفعل فعلها.
غير أن ما جرى في مناطق نفوذ "حزب الله" في الشهرين الماضيين خطيرٌ إلى حدّ كبير. فبين الضاحية الجنوبية لبيروت والجنوب والبقاع، أي في مناطق الغالبية السكانية الشيعية، مارس "حزب الله" ما هو أكثر من الترهيب.. مارس إلغاءً. كان واضحاً أنه لا يكتفي بكونه أكثرياً، وأنه يريد قطع الطريق بأي وسيلة على حراك سياسي شيعي مختلف، وأنه لا يطيق أقليات سياسية في الطائفة الشيعية. وكان واضحاً أيضاً أنه ذو نزعة "إختزالية" لا "شيء" يمنع أن تمتدّ ـ أو أن تتمدّد ـ في أي وقت من الأوقات بإتجاه "الحليف الأقرب". والتأكيدات والتطمينات لا تُسمن ولا تُغني من جوع! وهكذا، فإن "حزب الله" ينزع الى "تسكير" الطائفة على نفسه بعد أن أقفلها في وجه الطوائف الأخرى.
سقوط أسطورة الـ70 في المئة مسيحياً
أما بالنسبة الى التمثيل المسيحي، فلا شك أن تحوّلات برزت وتفرض نفسها على أي قراءة موضوعية في هذا المجال.
لقد بنى الجنرال ميشال عون "اسطورته" في السنوات الماضية على مقولة انه يمثل 70 في المئة من المسيحيين. وبالاضافة الى ذلك، لم يعد خافياً بعد ان تكشفت أمور عديدة، ان "التحالف الرباعي" في العام 2005 في وجه من وجوهه كان عبارة عن تواطؤ بين "حزب الله" وعون، يأخذ الجنرال في اطاره "الصوت الشيعي" في عدد من الدوائر ويستنفر بموجبه "العصب المسيحي" في الوقت نفسه.
الصوتان الشيعي والأرمني!
الإنتخابات أول من أمس أظهرت بوضوح أن عون عوّض "مقاعدياً" (نسبةً الى مقاعد) التراجع المسيحي الملحوظ بـ"البلوك الشيعي" في دائرتَي جبيل وبعبدا، بل ان "الإستنفار الشيعي" بلغ أقصى حد ممكن من الأصوات، بما يتجاوز التصويت الشيعي في كل الدورات السابقة، لا سيما في الـ2005. كما عوّض "مقاعدياً" التراجع المسيحي الملحوظ بـ"البلوك الأرمني الطاشناقي" في دائرة المتن الشمالي وقد وظف "الطاشناق" في هذه الدائرة طاقة استثنائية قصوى. وكانت دائرة كسروان ـ المسيحية ـ مثالاً مهماً. ذلك ان فوز لائحة عون على "لائحة التحالف" كان "على المنخار" أي بفارق بسيط، وليس من بعيد بالآلاف كما في الدورة السابقة، والجنرال نفسه حل رابعاً بين الرابحين الخمسة. أي أن الأكثرية المسيحية في جبيل لم تكن "في صفّه" وعوّضها شيعياً وكذلك في المتن الشمالي، أما في كسروان فـ"شبه مناصفة". ولا يضير على أي حال أن يعترف أركان "لائحة التحالف" الكسرواني بعدم مسارعتهم الى مواكبة التحول المسيحي بـ"النسبة" الكافية من التوحّد كلائحة ومن الأداء ذي المنسوب السياسي العالي.
بكلام آخر، ان الأمور لم تعد الى ما كانت عليه قبل 7 حزيران، مسيحياً بالدرجة الأولى. والصحيح ان الجنرال عاد الى "حجم عادي" لا يبرّر مطالبته بـ"معاملة استثنائية"، وليس "عدد المقاعد" بتعويض فعلي. وهذا من دون تجاهل للمعنى العميق لخسارته في دائرتَي بيروت الأولى والبترون المسيحيتين، وفي دائرة زحلة ذات الصوت المسيحي الراجح.
الأكثرية أكثرية والرئيس رئيس
في ضوء المؤشرات والدلالات والمعاني السالفة جميعاً وانطلاقاً منها وعلى أساسها، بادر قادة 14 آذار وفي مقدمهم زعيم الغالبية المتجددة سعد الحريري الى مد اليد نحو "الفريق الآخر".
فوز 14 آذار بالغالبية مجدداً يشكل بلا شك حماية لرئيس الجمهورية ولموقع الرئاسة. وهذا يعني ان يتوقف إستهدافهما.
وفوز 14 آذار بالأكثرية مجدداً يشكل ضمانة ـ مع الرئيس ـ لإستمرار الحوار. وما طالب "حزب الله" به امس بأن تكون "المقاومة" خارج اي بحث، هو نسف للحوار الذي بدأ في 2006 وظل قائماً منذ "إتفاق الدوحة" وحتى الأسبوع الماضي، والذي ركز على عنوان "الاستراتيجية الدفاعية".
وفوز 14 آذار يمثل ضمانة للشراكة الوطنية الحقيقية، حيث لا بد ان تُبحث أمورها بعيداً عن التعطيل. فالبلد الذي نجح في "أخطر" إختبار ديموقراطي في تاريحه، يستحق ان يتم الإنتقال به الى الإستقرار.. في ظلّ ديناميّة مختلفة تتيحها مؤشّرات النتائج الانتخابيّة.
الثقة المدعّمة شعبياً
أما حقيقة الأمر فهي ان 14 آذار ربحت الإنتخابات وفازت بالغالبية النيابية، من زوايا عدة.
ربحت 14 آذار من زاوية أنها شدّدت على أن الإنتخابات مصيرية، فأتى الإقبال الشعبي ـ من كل الطوائف والمذاهب والمناطق ـ ليثبت حقيقة أن الإنتخابات مصيرية بالفعل من وجهة نظر اللبنانيين كل اللبنانيين.
وربحت 14 آذار من زاوية أن "المعادلة الرقمية" بينها وبين "الفريق الآخر"، جاءت لتثبت أن الثقة المفرطة التي أظهرها 8 آذار ـ و"حزب الله" خصوصاً ـ قبل الانتخابات كانت "مبالغة"، كما كانت بمثابة تجديد ثقة بها من جانب أكثرية الشعب اللبناني، أي بـ"ثقة شعبية" عالية، حتى ليمكن القول إن النتائج أتت مطابقة لحجم "الرأي العام" الـ14 آذاري العابر للطوائف والمناطق، والذي كان جرى إختبار ولائه أربع مرات بعد 14 آذار 2005، في 14 شباط من أعوام 2006 و2007 و2008 و2009 في الذكرى السنوية لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري.
وربحت 14 آذار من زاوية أنها لم تخسر! أي ربحت لأنها لو لم تربح لكان مضيُّ "الفريق الآخر" في مشروعه "أسهل" بل لكان "الفريق الآخر" إستشرس "هجومياً".
أكثرية "موصوفة" بلا "تحالف رباعي"
بيدّ أن الأهم هو أن 14 آذار ربحت من زاوية إسقاطها "المدوّي" للمقولة التي حملها "الفريق الآخر" طيلة السنوات الماضية إذ نسّب أكثرية الأكثرية الى "التحالف الرباعي" في العام 2005. فها هي تربح من دون "تحالف رباعي" بل تربح عملياً بأكثر من 71 نائباً لو لم "تُهدِ" مقعداً مضموناً في إحدى الدوائر المضمونة.. ولولا "إتفاق المناصفة" في الدوحة في دائرة أخرى.
الإختزال والإلغاء شيعياً
على أن ثمة من يرى، بالرغم من المعاني السالفة لفوز 14 آذار بالأغلبية النيابية مجدداً، أن الأمور عادت الى ما كانت عليه قبل 7 حزيران، لجهة التمثيل الشيعي من جهة والتمثيل المسيحي من جهة أخرى. وذلك ما يقتضي تصويباً.
ماذا بالنسبة الى التمثيل الشيعي أولاً؟
لا شك أنه مكابرٌ من لا يعترف بأن الثنائية بين "حزب الله" و"أمل" عموماً تشكّل الأكثرية السياسية الشيعية، بل إن "حزب الله" هو "الأقوى" في هذ الإطار، حتى إشعار آخر على الأقل، لا سيما أنه ـ أي الحزب ـ يمتلك عوامل "قوّة مادية" تفعل فعلها.
غير أن ما جرى في مناطق نفوذ "حزب الله" في الشهرين الماضيين خطيرٌ إلى حدّ كبير. فبين الضاحية الجنوبية لبيروت والجنوب والبقاع، أي في مناطق الغالبية السكانية الشيعية، مارس "حزب الله" ما هو أكثر من الترهيب.. مارس إلغاءً. كان واضحاً أنه لا يكتفي بكونه أكثرياً، وأنه يريد قطع الطريق بأي وسيلة على حراك سياسي شيعي مختلف، وأنه لا يطيق أقليات سياسية في الطائفة الشيعية. وكان واضحاً أيضاً أنه ذو نزعة "إختزالية" لا "شيء" يمنع أن تمتدّ ـ أو أن تتمدّد ـ في أي وقت من الأوقات بإتجاه "الحليف الأقرب". والتأكيدات والتطمينات لا تُسمن ولا تُغني من جوع! وهكذا، فإن "حزب الله" ينزع الى "تسكير" الطائفة على نفسه بعد أن أقفلها في وجه الطوائف الأخرى.
سقوط أسطورة الـ70 في المئة مسيحياً
أما بالنسبة الى التمثيل المسيحي، فلا شك أن تحوّلات برزت وتفرض نفسها على أي قراءة موضوعية في هذا المجال.
لقد بنى الجنرال ميشال عون "اسطورته" في السنوات الماضية على مقولة انه يمثل 70 في المئة من المسيحيين. وبالاضافة الى ذلك، لم يعد خافياً بعد ان تكشفت أمور عديدة، ان "التحالف الرباعي" في العام 2005 في وجه من وجوهه كان عبارة عن تواطؤ بين "حزب الله" وعون، يأخذ الجنرال في اطاره "الصوت الشيعي" في عدد من الدوائر ويستنفر بموجبه "العصب المسيحي" في الوقت نفسه.
الصوتان الشيعي والأرمني!
الإنتخابات أول من أمس أظهرت بوضوح أن عون عوّض "مقاعدياً" (نسبةً الى مقاعد) التراجع المسيحي الملحوظ بـ"البلوك الشيعي" في دائرتَي جبيل وبعبدا، بل ان "الإستنفار الشيعي" بلغ أقصى حد ممكن من الأصوات، بما يتجاوز التصويت الشيعي في كل الدورات السابقة، لا سيما في الـ2005. كما عوّض "مقاعدياً" التراجع المسيحي الملحوظ بـ"البلوك الأرمني الطاشناقي" في دائرة المتن الشمالي وقد وظف "الطاشناق" في هذه الدائرة طاقة استثنائية قصوى. وكانت دائرة كسروان ـ المسيحية ـ مثالاً مهماً. ذلك ان فوز لائحة عون على "لائحة التحالف" كان "على المنخار" أي بفارق بسيط، وليس من بعيد بالآلاف كما في الدورة السابقة، والجنرال نفسه حل رابعاً بين الرابحين الخمسة. أي أن الأكثرية المسيحية في جبيل لم تكن "في صفّه" وعوّضها شيعياً وكذلك في المتن الشمالي، أما في كسروان فـ"شبه مناصفة". ولا يضير على أي حال أن يعترف أركان "لائحة التحالف" الكسرواني بعدم مسارعتهم الى مواكبة التحول المسيحي بـ"النسبة" الكافية من التوحّد كلائحة ومن الأداء ذي المنسوب السياسي العالي.
بكلام آخر، ان الأمور لم تعد الى ما كانت عليه قبل 7 حزيران، مسيحياً بالدرجة الأولى. والصحيح ان الجنرال عاد الى "حجم عادي" لا يبرّر مطالبته بـ"معاملة استثنائية"، وليس "عدد المقاعد" بتعويض فعلي. وهذا من دون تجاهل للمعنى العميق لخسارته في دائرتَي بيروت الأولى والبترون المسيحيتين، وفي دائرة زحلة ذات الصوت المسيحي الراجح.
الأكثرية أكثرية والرئيس رئيس
في ضوء المؤشرات والدلالات والمعاني السالفة جميعاً وانطلاقاً منها وعلى أساسها، بادر قادة 14 آذار وفي مقدمهم زعيم الغالبية المتجددة سعد الحريري الى مد اليد نحو "الفريق الآخر".
فوز 14 آذار بالغالبية مجدداً يشكل بلا شك حماية لرئيس الجمهورية ولموقع الرئاسة. وهذا يعني ان يتوقف إستهدافهما.
وفوز 14 آذار بالأكثرية مجدداً يشكل ضمانة ـ مع الرئيس ـ لإستمرار الحوار. وما طالب "حزب الله" به امس بأن تكون "المقاومة" خارج اي بحث، هو نسف للحوار الذي بدأ في 2006 وظل قائماً منذ "إتفاق الدوحة" وحتى الأسبوع الماضي، والذي ركز على عنوان "الاستراتيجية الدفاعية".
وفوز 14 آذار يمثل ضمانة للشراكة الوطنية الحقيقية، حيث لا بد ان تُبحث أمورها بعيداً عن التعطيل. فالبلد الذي نجح في "أخطر" إختبار ديموقراطي في تاريحه، يستحق ان يتم الإنتقال به الى الإستقرار.. في ظلّ ديناميّة مختلفة تتيحها مؤشّرات النتائج الانتخابيّة.