بين الجمود وإحياء “الخيار الأردني” – المستقبل – ناصيف حتي

حركة ديبلوماسية اسرائيلية وعربية واميركية واوروبية ناشطة يرى المتفائلون دائما انها بمثابة عملية "تسخين" لاعادة اطلاق قطار المفوضات المتوقف منذ زمن بعيد اطلاق الرئيس الاميركي لصفارة الانطلاق، فيما يبدو لمن يراقب الوضع القائم دون اوهام ان شروط الانطلاق غير متوافرة لا بل ان المعطيات تذهب عكس ذلك خاصة على الصعيد الاسرائيلي مع حكومة اسرائيلية تخلت او اسقطت اهداف ومبادئ السياق التفاوضي القائم ولو المتعثر ثم المتوقف عندما رفضت القبول بتسوية الدولتين.

حكومة نتنياهو ترفض وقف الاستيطان تحت مسميات عدة وها هو وزير الداخلية افيغدور ليبرمان يتبنى توصيات اللجنة الخاصة في وزارته بشأن توسيع مستوطنة معاليه ادوميم شرق مدينة القدس مما يؤدي الى قطع اوصال الدولة الفلسطينية الموعودة. وتستمر هذه الحكومة فيما يمكن وصفه بسياسة "التطهير العرقي" ضد الفلسطينيين في القدس بغية تهجيرهم كليا واستكمال عملية تهويد المدينة المقدسة وذلك رغم الدعوات المتكررة من الأمم المتحدة لتجميد قرار هدم منازل الفلسطينيين، والهدم يجري تحت مسميات مختلفة ايضا. ذلك كله اعاد الوضع الى ما قبل "اوسلو" وحتى الى ما قبل "مدريد" ومرجعيات مدريد التي كانت منسية او ممنوع الاشارة اليها في السنوات التسع الماضية، ويجري ذلك فيما الأزمة الفلسطينية الفلسطينية تزداد تفاقما ويراوح الحوار الوطني مكانه لأنه مرتبط او محكوم برهانات وتوقعات تقع خارج الاطار الفلسطيني وكل طرف يرى ان السيولة القائمة وضبابية الوضع قد تحملان متغيرات لمصلحته في ظل هذا الوضع يدعو امونه الون في "اسرائيل اليوم" للتخلص مما يسميه بفيروس الدولتين لشعبين الذي استقر في الخطاب السياسي والديبلوماسي للسياق التفاوضي، يدعو للتخلص منه لانه يرتكز كما يقول "على معطيات خاطئة وعلى تعريفات لم تعد قائمة".
وبالفعل لقد سقط في اسرائيل "تابو" البحث عن تسوية خارج تسوية الدولتين، وعادت من جديد "موضة" الدولة ثنائية القومية بالطبع دون تعريض مضمون وملامح هذه الدولة كما يقول ميرون بنفنستي. عاد الحديث عن مفهوم هذه التسوية الغامضة جداً لأسباب ثلاث حسب بنفنستي: اولها ان احتمال اقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة وليس مجرد بانتوساتان لم تعد قائمة، وثانيها ان الوضع القائم على الارض يدل على وجود دولة امر واقع ثنائية القومية تقوم على تكريس الاحتلال، والسبب الثالث ان حكومة نتنياهو ستدفع بالتأكيد الى جمود ديبلوماسي قاتل. الواقع يدل على ان اسرئيل اقامت منذ 1967 نظام تمييز عنصري في الاراضي المحتلة وفق نموذج جنوب افريقيا سابقا، وهي تتعامل في الواقع وفي الممارسة مع القضية الفلسطينية قضية "داخلية" وامنية بامتياز.




يحصل هذا الانتقال على الصعيد المفهومي والاستراتيجي في اسرائيل من تسوية الدولتين الى البحث عن سيناريوات تسويات مختلفة منها استمرار دولة الوضع القائم وهو اقل سوءا كما يقول اكثر من كاتب استراتيجي اسرائيلي. و"ينظر" رونين شوفال لتثبيت الامر الواقع قائلا ان حل الدولتين الذي يدعو الى اليسار يزيل المسألة الديموغرافية والاخلاقية ولكنه يساهم في زيادة المشكلة الامنية فيما الحل الذي يدعو اليه اليمين والذي يقوم على الضم الرسمي قد يعالج مشكلة الحدود لكنه يزيد من تفاقم المشكلة الديموغرافية الاخلاقية، وبالتالي حسب رأي الكاتب فان دولة الوضع القائم هي الاقل سوءا بين مختلف السيناريوات. من جهة اخرى تأتي دعوة وزير الخارجية افيغدور ليبرمان وحزبه "اسرائيل بيتنا" الى احداث تبادل سكاني بين اسرائيل ومستوطنات الضفة الغربية"، وهي دعوة تلاقي تجاوبا يزداد كل يوم في اسرائيل ويلجأ اليها وزير الخارجية وحزبه من خلال الدعوة لاحداث المزيد من التضييق ضد فلسطينيي اسرائيل والتقنين لسياسة التمييز العنصري داخل الخط الاخضر ايضا، سعيا الى ضرب مفهوم تسوية الدولتين من خلال جعل مشروع الدولة الفلسطينية غير قابل للحياة.

خلاصة الامر ان المطروح خارج دولة الامر الواقع الثنائية القومية الجنوب افريقية كحل مرحلي ضمن افق زمني مفتوح هو التحضير لتسوية امر واقع تجري ضصياغته ويفترض تمريره تدريجا وقوامه احياء خيار الاردن هو فلسطين ولكن تحت مسميات مختلفة، والاهم من ذلك عبر مقاربات مختلفة من نوع الربط الكونفدرالي بين الضفة الغربية او "بقايا" الضفة الغربية اي ما يبقى من ارض للفلسطينيين غير قادرة ان توفر دولة قابلة للحياة للشعب الفلسطيني، ربط "البقايا"، الحاملة لقنبلة ديموغرافية بالاردن وربط غزة بتلك الكونفدرالية كما يقول المؤرخ بيني موريس الذي كان من المؤرخين الجدد قبل ان يعود الى موقف يميني متشدد. ويثير هذا السياق دائما تساؤلاً يحمل في طياته الجواب، والتساؤل مفاده لماذا اقامة ثلاث دول لشعبين وهي نغمة قديمة وعائدة. ويقوم الاردن بسبب تجربته وخبرته بفك "شيفرة" الكلام التنظيري والسيناريوهات "الاكاديمية" الاسرائيلية مستشعرا الخطر الدائم الذي لا تلغيه تصريحات تطمينية من مختلف العواصم الدولية المعنية، ولا المواقف التضامنية الكلامية العربية، خطر الحركة الاسرائيلية وهو خطر قبل كل شيء على القضية الفلسطينية برمتها وعلى المنطقة. خطر يهيئ لانفجارات عدة متنوعة وبقدر ما يمضي الوقت وتقوم ثنائية الكانتونين الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية وتستمر اسرائيل في تحضير مرحلة ما بعد دولة الامر الواقع ويتراجع بقوة احتمال تسوية الدولتين ينفتح الباب امام المجهول في تخطيطاته والمعلوم بمخاطره.