
نائب الأمين العام لحزب الله: فشلت الأغلبية البرلمانية الحالية في وضع لبنان تحت السيطرة الأميركية أو في خدمة الأجندة الإسرائيلية
يشغل الشيخ نعيم قاسم منصب نائب الأمين العام لحزب الله، أي أنه الرجل الثاني في التنظيم بعد السيد حسن نصر الله. وقد تحدث الشيخ نعيم قاسم لخدمة «غلوبال فيوبوينت» في مكان سري بالقرب من العاصمة بيروت، في السادس من أبريل (نيسان) الحالي في وقت ينظم فيه حزب الله حملة للانتخابات البرلمانية اللبنانية المزمع إجراؤها في 7 يونيو (حزيران) المقبل. وتناول قاسم في الحديث الذي تنشره «الشرق الأوسط» وضع حزب الله والحوار مع بريطانيا ونظرة الحزب للرئيس الأميركي الجديد باراك أوباما. وفي ما يلي نص الحوار…
* هل تأخذ اقتراحات الرئيس باراك أوباما بخصوص إيران على محمل الجد؟
ـ علينا الانتظار لنرى أفعال أوباما، لا ما يقوله. يبدو أن أفكاره تدعم الحوار لا الضغوط العسكرية والتهديدات، ولكن هل ستتغير السياسة الأميركية إزاء الشرق الأوسط وإيران على أرض الواقع؟ وهل ستكون هناك إجراءات عملية، أم أن ذلك مجرد تكتيك بعد فشل سياسة الضغط العسكري والحروب المتعددة؟ وما سمعناه في ما يتعلق بموقف أوباما من فلسطين لم يكن مشجعا، فهو يتبنى نفس الموقف الذي تبنته إدارة بوش. وهل سوف يتبنى موقفا مغايرا بخصوص مناطق أخرى في العالم؟ أنتظر لأرى الأفعال، لا الكلمات وحدها، ولكن بصورة عامة، فإنني لست متفائلا تماما.
* هل في الطريقة التي ينظر بها الغرب إلى حزب الله أهمية؟
ـ خلال الأعوام الأخيرة، تغيرت نظرة الغرب إلى حزب الله، لا سيما على المستوى الشعبي. وحتى الحكومات بدأت في البحث عن وسائل للاتصال ولتكوين علاقات مع حزب الله. وقد رفضت معظم الدول الأوروبية أن تضع حزب الله على قائمة المنظمات الإرهابية. ويشير ذلك إلى أن المقاومة الإسلامية قد أقنعت الغرب بأنه لا يمكن تجاهل حركة شعبية وهامّة وجديرة بالثقة مثل تنظيمنا. لا أخفي حقيقة أننا في الحزب نريد من الغرب والعالم أن يرانا على حقيقتنا. ولكن في الماضي، لم تكن لدينا الوسائل التي نُسمِع الآخرين من خلالها. ومنذ «الانسحاب الإسرائيلي» في عام 2000 والعدوان الإسرائيلي في 2006، وعلى ضوء نطاق الهجمات الإسرائيلية علينا، أصبحت صورتنا أكثر وضوحا، فيما أضحت صورة إسرائيل أسوأ. وتأكد ذلك بعد حرب غزة، عندما ظهر للغرب مدى العدوان الإسرائيلي.
* تشير إلى أنه لا فرق بين الجناحين العسكري والسياسي؟
ـ حاولت بريطانيا أن تبرر بناء علاقات مع حزب الله بالفصل بين جناحين مختلفين، وهذا أمر غير موجود على الواقع، لأن الحزب موحَّد بطبيعته. ولدى حزب الله قيادة موحدة، كما يعكس ذلك مجلس الشورى (مجلس التنظيم) ورئيسه، الأمين العام. وترتبط الأعمال السياسية والاجتماعية والجهادية بقرارات هذه القيادة. والقيادة التي تدير العمل الحكومي والبرلماني، هي نفسها التي تقود العمل والجهاد والكفاح ضد إسرائيل. ويوجد قرار واحد له آلية وهيكلة للتنفيذ. هذه هي صورة حزب الله على الرغم من أن أطرافا أخرى تريد تصويره بطريقة مغايرة لتبرير ما تقوم به.
* ما مدى حجم حزب الله من الناحية العسكرية والاستخباراتية؟
ـ نحن لا نتحدث عن ذلك، ولكن يمكنك أن ترى النتائج، ففي حرب يوليو (تموز) 2006، على سبيل المثال، كنا قادرين على هزيمة إسرائيل. هذه قوة حقيقة. وعلى الساحة السياسية اللبنانية، كنا فاعلين تماما لدرجة أن أي حكومة لا يمكنها تجاهلنا. نحن جزء هام من الدولة.
* هل سيكون للمحادثات مع الغرب ثمرة؟
ـ من الطبيعي أن يساعد الحوار مع الدول الغربية على توضيح صورتنا وتحقيق جو من الهدوء على الساحة السياسية، ولكن كما نعلم، سوف يستفيد حزب الله والغرب من هذا الحوار من وجهة نظر كل طرف. وفي نفس الوقت فإن هذا الحوار هو نتيجة فشل الوسائل الأخرى. لقد حاول الغرب الضغط علينا من خلال المقاطعة والتشويه و«وصفنا» بأننا إرهابيون. ولكنه عندما وجد أن لدينا حضورا وتأثيرا قويا، وأنه لا يمكن الوصول إلى حل في لبنان دون تعاوننا، وجد أن الحوار معنا ضروري ومفيد. ونحن منفتحون على الحوار مع الغرب، ما دامت الأطراف متساوية، وأن الحوار ليس مجرد شيء مظهري. وحتى الآن، رفضنا الحديث مع الإدارة الأميركية لأننا نعتقد أنه لن يكون مثمرا على ضوء صَلَف الإدارة في موقفها إزاءنا.
* كيف ستخدم الانتخابات أهداف حزب الله الإقليمية؟
ـ يعمل حزب الله على الساحة اللبنانية، ولا يعمل لمصالح إقليمية أو دولية. ونحن نعتقد أنه إذا استطاع حزبنا، مع المعارضة، كسب الانتخابات وتشكيل حكومة جديدة، فإنها سوف تكون تجربة جديدة على الإدارة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية (للبلاد). ويجب أن نضع في الاعتبار أنه عندما يفوز حزب بأغلبية على حزب آخر، فلن تكون هناك تغيرات راديكالية في لبنان لأن المسارات السياسية في لبنان أصبحت ثابتة، ولا سيما بعد فشل الأغلبية البرلمانية الحالية في وضع لبنان تحت السيطرة الأميركية أوفي خدمة الأجندة الإسرائيلية. وفي الوقت الحالي، فإننا نعتقد أن لبنان مستقل وأنه منع الآخرين من تنفيذ «الأجندات» الإقليمية والدولية الخاصة بهم. وسوف نتحرك إلى المرحلة الثانية في هذا الطريق. وعليه، لن تكون هناك أي تغيرات راديكالية، سوى أننا سوف نخوض تجربة جديدة وناجعة في الحكم، تختلف عن تجربة الأغلبية الحالية.
* كيف سيرد حزب الله على التساؤلات المتعلقة بأسلحته خلال الانتخابات المقبلة؟ وما الشروط التي حال توافرها سيتخلى حزب الله عن أسلحته؟
ـ تشكل أسلحة حزب الله جزءا من المقاومة، وليست بمعزل عنها. وقد أثبتت المقاومة حقيقة غايتها بالانتصار العظيم الذي أحرزته في يوليو (تموز) 2006. وباءت بالفشل كل المحاولات اللاحقة لتحويل الأسلحة إلى مشكلة. في ضوء احتلال مزارع شبعا، علاوة على استمرار الانتهاكات الإسرائيلية للمجال الجوي اللبناني والتهديدات الإسرائيلية المتكررة، بات واضحا أن لبنان بحاجة إلى المقاومة. لقد جلسنا على طاولة التفاوض من أجل التقريب بين وجهات النظر المتباينة ومناقشة الاستراتيجية الدفاعية. والآن أصبح واضحا أن بقاء المقاومة ضروري، ولا أعتقد أن شيئا ما من ذلك سوف يتبدل في الانتخابات. إن على لبنان أن يظل قويا، والمقاومة أحد أعمدة هذه القوة. وفي نهاية الأمر، فنحن ملتزمون بما تتوصل إليه طاولة الحوار.
* ماذا بشأن فكرة إدماج حزب الله في الجيش اللبناني؟ ـ ليس بإمكاننا الحديث عن آلية للتعامل مع الاحتلال دون التحدث عن تطبيق استراتيجية دفاعية، لذا، دعونا نترك الأمر كي يتولى الحوار الوطني تسويته. وإذا لم تكن هذه الآلية هي الخيار الصحيح، فربما ستتوافر آليات أخرى. كل ذلك سوف يتمخض عن الحوار الوطني، لذلك لا نرغب في الكشف عن أي أفكار سابقة لأوانها.
* لماذا تربطكم علاقة تحالف ليس مع إيران فحسب، وإنما كذلك مع فنزويلا وبوليفيا؟
ـ عندما يكسب حزب الله صداقات ودعما دوليين، فإن ذلك يعزز مكانته، كما يساعد ذلك على اجتذاب المزيد من الأعضاء إلى صفوفه، وتوسيع دائرة وجوده بين الناس، بدلا من أن يقف العالم بأسره ضد الحزب.
واليوم نعيش في عالم بات أشبه بقرية، وأصبح لمستوى التأييد الشعبي تأثير على الرأي العام العالمي، بل وعلى صانعي السياسات. وإذا أصبحنا في عزلة، فسوف ييسر ذلك على الآخرين ممارسة ضغوط سلبية علينا. وعليه، يحرص حزب الله على الفوز بدعم إقليمي ودولي لصالح المقاومة، لأن ذلك يزيده قوة.
* ما الإجماع؟
ـ إننا نتطلع نحو الفوز بدعم لموقفنا الرئيسي والمحوري، الذي يقوم على المقاومة، وحقنا في تحرير أراضينا والدفاع عن أنفسنا. إننا لا نأبه بالإيديولوجيات التي تنتهجها الأطراف المختلفة، وإنما نهتم بأمر دعمهم. وحتى داخل لبنان، فإننا نتحالف مع أحزاب وطنية ويسارية وعلمانية، رغم اختلافها عنا إيديولوجيّا.
* ماذا عن فرض الإسلام داخل لبنان بين أفراد الشعب؟ هل بمقدور حزب الله الاضطلاع بدور أفضل في ما يخص تعزيز مكانة الإسلام في أوساط الشباب؟
ـ إن الإسلام يوجهنا إلى ضرورة تبليغ رسالته إلى الناس، لكن الله يرغب في أن نتصرف بحكمة. وينهانا ديننا عن فرض معتقداتنا على الآخرين.
وعليه، نرى أن الدعوة إلى الإسلام ينبغي الاستجابة لها انطلاقا من إرادة حرة. وإذا لم يختر الآخرون الإسلام، فإننا لا نرى ذلك مصدرا للمشكلات أو العداء بيننا وبينهم، خصوصا إذا ما كنا نحيا في وطن واحد. لذلك، نحاول التطلع باتجاه العناصر المشتركة على الصعيد السياسي والأصعدة الأخرى، ولا نزال نعمل على تبليغ رسالة الإسلام. واليوم، باعتبارنا حزبا داخل لبنان، يمكننا القول بأننا أقوى الأحزاب اللبنانية، إن لم نكن الأقوى على مستوى المنطقة العربية بأسرها في ما يتعلق بمستوى التأييد والموارد في مقابل الصداقات والعلاقات العامة. هذا هو النهج الذي نعمل تبعا له، وكلما ازدادت حولنا أعداد من يؤمنون بالإسلام، كان ذلك أفضل، لكن هذا الاختيار يعود إلى الناس أنفسهم.
* لكن ماذا بشأن الثقافة الغربية؟
ـ أنظر إلى الثقافة الغربية باعتبارها كيانا متكاملا، وأعتقد أن بها الكثير من المشكلات والتعقيدات، ولا يمكن للمرء الحديث عن جزء واحد كما لو كان منعزلا عن باقي الأجزاء. فمن ناحية، أعتقد أن التقدم العلمي بالغ الأهمية، لكن على الجانب الآخر، ينطوي الفساد وتفسخ الكيان الأسري على خطورة شديدة. وفي الوقت الذي أقدر فيه أن الاهتمام بالتعليم يسمح للفرد بأن يصبح متعلما ومثقفا، فإنني لا أحبذ الاهتمام الفردي بالسباب والمقامرة وتناول الخمور وما إلى ذلك. ولا يمكن التعامل مع هذه الأمور على نحو منفصل، ذلك أنها جميعا تشكل جزءا من جسد واحد. لا أعتقد أن الغرب يمثل بالضرورة قدوة ينبغي الاحتذاء بها، ذلك لأن به إيجابيات وسلبيات
غلوبال فيوبوينت- خدمةلوس أنجليس تايمز ـ خاص بـالشرق الأوسط