معنى مصيرية انتخابات لبنان – النائب الدكتور مصطفى علوش

 

 




معنى مصيرية انتخابات لبنان — النائب الدكتور مصطفى علوش

تعتبر الإنتخابات النيايبية في لبنان مظهر مميزاً للنشاط السياسي في المنطقة، فعلى عكس الإنتخابات الشبه ديموقراطية أو المعلبة التي تجري برعاية السلطة أو الحزب الحاكم، والتي تكون نتائجها محسومة سلفاً كما هي الحال في بعض الدول العربية، تحتفظ الإنتخابات النيابية اللبنانية بنكهة خاصّة هي خليط من الديموقراطية والسياسية والطائفية والمذهبية والعشائرية وبعض الحزبوية. ولكن الأهم أن نتائجها تبقى رهناً لقرار الناس، وخاصّة الجزء الوسطي منهم الذين يبقى خيارهم متأرجحاً حتى اللحظات الأخيرة قبل إسقاط الورقة في صندوق الإقتراع. والمميز الآخر هو ارتباط هذه الإنتخابات بشكل حميم مع التوازنات الإقليمية من توافقات وصراعات تؤثر على خيارات وتوجهات القوى السياسية المحلية وعلى المواطنين.

 
 
 

تجري الإنتخابات النيابية هذه السنة في ظل انقسام كبير داخل المجتمع اللبناني حول البلد إلى معسكرين سياسيين يختلفان بشكل عدائي، ودموي أحياناً، على كجمل العناوين والشعارات. على هذا الأساس فإن توصيف قوى ۱٤ آذار الإنتخابات بالمفصلية والمصيرية ليس من قبيل التهويل، بل هو تعبير دقيق عن توقعات مؤكدة في حال تمكن الخط المتحالف مع سوريا وإيران من الحصول على الأكثرية النيابية في الإنتخابات القادمة.

 
 

فطبيعة النظام البرلماني البناني تضع كل السلطات عملياً في مجلس النواب لأن السلطات التنفيذية الأخرى من رئاسة جمهورية ومجلس وزراء هي بالمحصلة نتاج التركيبة البرلمانية. مع أن التجربة في السنوات الأربع الماضية أكدت على أن وجود الأكثرية البرلمانية في يد ۱٤ آذار لم يطلق يدها في مسألة الحكم، الذي بقي خاضعاً لمنطق التعطيل الإبتزازي من قبل قوى الثامن من آذار، على خلفية امتلاك هذا الفريق قدرات عسكرية خارجة عن سلطة الدولة مكنها من كسر القرارات الشرعية عن طريق استعمال العنف أو التهديد به كما حصل في السابع من أيار ۲۰۰٨.

 
 

ولكن، ورغم كل ذلك، بقيت الشرعية الوطنية والدولية في يد الحكومة التي تعبر بأكثريتها عن توجهات قوى ۱٤ آذار. وهذه الشرعية هي التي مكنت لبنان من تثبيت خيارات سيادية واضحة واستدراج دعم دولي لها، بما يخص العلاقات مع سوريا والتي تمثلت بعد طول مخاض بإنشاء العلاقات الديبلوماسية بين البلدين، وهو ما يشكل اعترافاً غير مسبوق من قبل سوريا بوجود الكيان اللبناني. كما أن المسائل الأخرى مثل ترسيم الحدود الجغرافية والسياسية لا تزال جزءً من ضغوطات المجتمع الدولي على سوريا، بالإضافة إلى مسألة القرارات الدولية المرتبطة بالموضوع السيادي مثل القرارات ۱٥٥۹ و۱۷۰۱ وغيرها. والمسألة الأهم هي أن وجود هذه الأكثرية النيابية هو ما سمح للحكومة بالمضي قدماً في مسألة إنشاء المحكمة الدولية، وما سمح أيضاً بتسهيل إجراءات التحقيق والتوقيفات على الأراضي اللبنانية.

 
 

كل هذا يعني عملياً أن حصول ٨ آذار، سيؤدي إلى تهديد كل ما سبق وسيشجع النظام السوري على التراجع عن كل الإجراءات السابقة، أو على الأقل وقف لتقدم بها. أما من ناحية المحكمة الدولية فإن وجود حكومة غير متعاونة في لبنان سيؤدي حتماً إلى عرقلة مسارها بشكل كبير.

 
 

من جهة ثانية قد يكون "حزب الله" محقاً، ن وجهة نظره،على عدم مفصلية الإنتخابات لأنه يعتبر أن المعادلة السياسية التي أوجدها واقع كون هذا الحزب المسلح خارج إطار المسار الديموقراطي، لن تسمح بتغيير المعادلة القائمة حالياً حتى ولو تجددت أكثرية ۱٤ آذار في الإنتخابات القادمة.

 
 
 

أما في حال فوز ٨ آذار، فلن يشكل ذلك أيضاً تقدماً كبيراً بالنسبة لهذا الحزب الغير مستعد حتى الآن للقبض على الحكم تحت مبدأ ولاية الفقيه لأسباب متعددة، لذلك فهو يصر على مسألة المشاركة لحاجته إلى غطاء شرعي واسع في الوقت الحالي للتعامل مع المجتمع الدولي. كما أن تسلمه الحكم سوف يجبره على التخلي بشكل واسع عن وضعه كحالة ثورية والإلتزام بمنطق الدولة وما يستتبعه من مسؤوليات ومساءلة.

 

بالمحصلة، وكما هو معروف، فإن أربعة أخماس المقاعد النيابية محسومة عملياً لدواعٍ أكثرها مرتبط بالوقائع المذهبية والطائفية ويبقى عنصر التشويق مرتبطاً بحسم نتائج الخمس الأخير الذي سيؤمن الأكثرية لطرف من الإثنين، أو قد يحجبها عن الإثنين في حال وصول كتلة وسطية تفرض التوازن وتمنع الحسم.