لكن لعون مشكلات من نوع آخر. فهو في دائرتي جبيل وكسروان يتعامل مع «مناورات» لا تزال قائمة من جانب رئيس الجمهورية ميشال سليمان الذي يبدو أنه متورّط، أكثر ممّا هو معلن، في المعركة الانتخابية ويقوم باتصالات مباشرة وغير مباشرة في تلك المنطقة، ساعياً إلى إقامة ائتلاف هدفه اختراق لوائح عون. وثمة كلام غير مؤكّد عن أن الرئيس سليمان أثار مسألة تمثيل مقرّبين منه في المجلس النيابي مع جهات يفترض هو أنها تملك تأثيراً على العماد عون لبنانياً وإقليمياً. كما لا يوفر فرص التعاون مع البطريرك الماروني نصر الله صفير في هذه المعركة، كما التحالف مع مرشحين من فريق الأكثرية يطلقون على أنفسهم الآن صفة المستقلين. وهو ينشط أيضاً من خلال استخدام المناورات داخل فريق 14 آذار لتوظيفها في وجه عون في كل دوائر جبل لبنان.
وبينما كان كثيرون يعتقدون أن عون سوف يهجم باتجاه سليمان عارضاً عليه التسوية، فإنّ من لا يعرف عقلية عون فوجئ بأن الأخير التزم الصمت، سائلاً عما إذا كان لدى سليمان ما يقوله في هذا الخصوص، إلى أن جاءه الصناعي نعمة افرام موفداً من رئيس الجمهورية عارضاً تسوية تقوم على أن يكون افرام نفسه وجان حواط أو أحد أبناء الخوري مرشحين من حصة رئيس الجمهورية، لكن من داخل لوائح الجنرال عون، الأمر الذي لم ينته إلى نتائج عملية بعد، وسط انتظار بقية المرشحين لحسم مواقفهم، وخصوصاً المرشحين في كسروان.
أما مع الرئيس بري، فإن المشكلة تكمن في انطلاقه وعون في التفاوض من سقوف مرتفعة للغاية، إذ يعتقد برّي مثلاً أنه هو من تنازل عن مقعدين لمصلحة عون في جزين، وأن بقاء سمير عازار أمر لا بد منه، لأن الأساس هو ما كان قائماً. ومع أن حزب الله لا يجاري بري كثيراً في هذا التقدير، إلا أن الحزب يحاول من جهته إقناع عون بأن يأخذ مقعدين في جزين مقابل التنازل عن المقعد الكاثوليكي في الزهراني وعن المقعد الشيعي الثاني في بعبدا لمصلحة بري، وهو ما يعتبره بري شرطاً لازماً لأي تحالف.
أما عون، فيقرأ الأمر بطريقة مختلفة. وهو يقول إنه تنازل عن مقعدين في مرجعيون والزهراني لأنه يتعامل بواقعية مع كون الناخب الشيعي هو الذي يحسم في هاتين الدائرتين، وأن بري لو أراد التنازل له، فعليه أن يفعل الأمر حيث يمون هو. وبالتالي، فإن جزين التي تمثّل ثقلاً مسيحياً صافياً يستطيع التيار الوطني الحر خوض معركة فيها من دون حاجته إلى تحالف مع الرئيس بري على وجه الخصوص. برأي عون، إذاً، لا يحق لبرّي أو لغيره ادّعاء التنازل عن مقاعد في جزين لمصلحة عون. وهو الأمر الذي ينتهي عند عون إلى الإصرار على الحصول على المقاعد الثلاثة.
وفي حالة بعبدا، يمكن عون أن يوافق على ترك المقعد الشيعي لبري إذا سحب بري مرشحه في جزين. ويرى عون أنه هو من تنازل لبري في هذه الحالة، وخصوصاً أن لعون وجوده الحقيقي وغير المفتعل في هذه الدائرة، وهو يتمتع بغالبية مسيحية كبيرة، ولديه حضور جدّي عند الشيعة حتى قبل تفاهم التيار الوطني مع «حزب الله». وقد ترجم ذلك في كمية الأصوات التي نالها مرشح التيار رمزي كنج في انتخابات عام 2005 في صناديق الضاحية الجنوبية ومن الشيعة. كذلك لا يخفي عون، في المنطقة، صعوبة إقناع الناخبين المسيحيين بالتصويت لمرشح حركة أمل، عدا عن أن حزب الله لم يحسم الموقف أيضاً.
عملياً، الأمور ليست سهلة حتى يقال إن الحل قريب جداً، والترشيحات القائمة الآن من قبل جميع أنصار الفريقين في الدوائر ذاتها تشير إلى أن الحسم ليس قريباً. بل ثمة من يعتقد أن عون قد يعلن هوية مرشحيه ويطلب منهم العمل على الأرض بقوة دون أن يضطر منذ الآن إلى إعلان لوائحه في الدوائر كلها. ويبقى هذا الأمر مرتبطاً بالدور المتوقّع من الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، الذي يتّكل الطرفان على دوره في إقناع أيّ منهما بالتنازل لمصلحة الآخر. لكنّ المشكلة أنه لم يعد لحزب الله في هذه الدوائر ما يقدر على التنازل عنه، ما يزيد من صعوبة الأمر، حتى إن السيد نصر الله نفسه يبدو «متألّماً» من هذا الوضع، وإن لم يُنقل عنه موقف حاسم.
لكنّ بعض المقرّبين من الهيئة القيادية العليا في الحزب يشيرون إلى أن الموقف في مسألة جزين هو أقرب إلى وجهة نظر بري، أما في ما يخصّ بعبدا، فإن الحزب حاول إقناع بري بمرشّحين من أبناء عائلات الغبيري، لكنّ الأخير رفض، مصرّاً على الحركي طلال حاطوم.