بلاد رأيت فيها بعد ان سمعت عنها و زرت بعضها في السابق ، ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولكن المشاهدة فاقت كل تصور لا في مجال واحد نفتقده بل في كل المجالات.
أنا هنا لا أريد أن استعرض كل ما يهم الوطن من مشاهداتي ، وسيكون لي حتماً وقفة تتعلق بالبيئة والأمن والوحدة الإقتصادية والعادات والتاريخ والجغرافيا.
أنا لا أود هنا أن أتحدث عن الملوك والوزراء والنواب والرابطة بينهم وبين الدراجات.
كلها نعم كلها امور مستأخرة وسأحصر في هذه العجالة الحديث عن الطواحين ،
حتماً ليست طواحين الحبوب،
حتماً ليست طواحين الزينة في بطاقات الزيارات والمعارض.
حتماً ليست طواحين نقل المياه كالنواعير انها طواحين توليد الكهرباء.
أجل لقد رأيت بأم العين كيف يستغلون الرياح في بلد رياحها ليست أقوى اطلاقاً من رياحنا ، وهذا بإعتراف المتخصصين ممن رافقونا في هذه الرحلة.
إنها طواحين التكنولوجيا الحديثة التي تولد الطاقة النظيفة من وسيلة نظيفة من اجل بيئة نظيفة.
إنها الطاقة المجانية من أجل طاقة شبه مجانية في بلاد غنية .
إنها الطاقة التي شملت أكثر من ناحية من نواحي الحياه ولم تقتصر ابداً على توليد الكهرباء.
وانا حتماً لم أقصد ابداً من كلامي الحديث عن طاقتهم وهي طاقة شعوب متقدمة بل عن طاقتنا نحن ، الذين نبيت معظم أيامنا نعاني من التقنين الى حد وصلت الحرارة فيه أمراً غير مألوف لا بل غير موصوف .
وقصدي هو الحديث عن طاقتنا، تلك الطاقة التي تولدها ألسنة السياسيين عندنا ، فتحدث رياحاً هوجاء أي أننا نسير عكس السير ،
رياح عندهم تولد طاقة ،
وطاقة لسان عندنا تولد رياحاً ،
رياحهم كهرباء وزراعة وماء.
ورياحنا فتن وأكاذيب وديون وحروب ونهب وسلب .
رياحهم بيئة نظيفة ،
ورياحنا نفابات وتفاهات وشتائم ،
رياحهم أمل وأيام جميلة وغد مشرق ورياحنا تشاؤوم وتخاذل وهرب وهجرة وجوع وفقر.
أجل بين طواحيننا وطواحينهم مساحة أبعد من المساحة بين الأرض والسماء .
كلما دارت طواحينهم حملت الخير.
وكلما دارت ألسنتنا طحنت بلدنا.
كلما دارت طواحينهم تركت أثرها في عيون الزائرين.
وكلما دارت طواحيننا هربت من ضوضائها ، أرجل الوافدين اللاهثين من مشاهد لا تسر وكلمات لا تفرح وصراخ وعويل هو نتيجة سياسة الموت لا سياسة الحياة.
أنا لا أسوّق طواحينهم في هذا المقال ولكنني ألعن طواحيننا.
أنا وان كنت معجباً بما رأيت هناك فإنني متحسر لما أرى هنا.
صحيح أنها رحلة غير مكلفة مع مجموعة كبيرة من المحامين من معظم البلدان النامية ولكنها رحلة كشفت الستر عن السنة تستجلب الرياح التي تولد الفتن بمحازاة طواحين توّلد الطاقة ، والعجيب أن في هذه البلاد الكثير الكثير من أهلنا العرب الذين يساهمون في نهضة هذه البلاد ويتأقلمون معها مما يؤكد أن العلة في قادتنا والمرض عند سياسينا والمحاسبة آتية لا ريب…
.